الصوفية بين الماضى والحاضر: مارس 2013

السبت، 30 مارس 2013

حكم العمل بالحديث الضعيف

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فمن البدع المستهجنة التى تجرى بكل بساطة على ألسنة كثير من المغرمين بالانتساب إلى السنة والتوحيد والتجديد مجازفتهم بالقول بضعف الحديث على معنى أنه باطل مكذوب , ويعتبر العمل به رجساً وفسقاً , أو على الأقل جهلاً وتجاوزاً.
ومن ظلم العلم والدين أن يؤخذ الحديث الضعيف بحكم الحديث المكذوب وليس كذلك العلم ؛ فان للحديث الضعيف مجالا شرعيا يدور فيه , وله وظيفة أساسية فى دين الله , وهو حديث لم تستكمل فيه شروط الصحة

الأربعاء، 27 مارس 2013

التطرف بين الحقيقة والاتهام

مظاهر التطــــرف
فما التطرف إذن، وما دلائله ومظاهره؟
التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر:
1- إن أولى دلائل التطرف: هي التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا يفتح نافذة للحوار مع الآخرين، وموازنة ما عنده بما عندهم، والأخذ بما يراه بعد ذلك أنصع برهاناً، وأرجح ميزاناً.

الاثنين، 25 مارس 2013

ســــر الازمـــــــــــــات



خلل كبير نعاني منه في حياتنا الإسلامية المعاصرة أيما معاناة، ذلك هو النقص في الأخلاق الأساسية التي يجب أن تتوافر في كل مسلم؛ لأنها إن ضعفت أو نقصت فلن تقوم للأمة قائمة، هذه الأخلاق كانت موجودة أو كثير منها عند العرب عندما جاءهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بالنبوة والهداية. كان خلق الوفاء والصدق والشجاعة والتذمم للصديق والجار شائعاً، وكان العربي يجد غضاضة في أن يوصم بالكذب أو الغدر، ولذلك لم يُتعب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ نفسه في تأديب هؤلاء وتربيتهم على هذه الأخلاق والدعوة إلى ممارستها، فالإشارة منه لهذه الأخلاق كانت تكفي؛ لأنها ارتبطت بالتوحيد الذي جاءهم به، وهو الذي كان ينقصهم فلما تمثلوا به وأصبحت العبودية تامة لله _سبحانه_ كملت هداية الفطرة وهداية الوحي فكانوا كما قال _تعالى_: "نُورٌ عَلَى نُورٍ" (النور: من الآية35).

وفي هذه الأيام ابتلي المسلمون وابتليت الدعوة بمن تجرد من هذه الأخلاق، فالكذب – وهو أسوأ الأخلاق الرديئة – يقع فيه هؤلاء، سواء في أحاديثهم العادية أم في تجريح إخوانهم من الدعاة، ولا أدري بم يعللون هذه الفعلة الشنيعة، هل بمصلحة الدعوة؟! أما الحقيقة فهي أن معادنهم رخيصة، وليس عندهم أخلاق الفطرة؛ لأنها فسدت بسبب البيئة التي عاشوا فيها، ولا أخلاق الإسلام؛ لأنهم تربوا على الأنانية والحزبية الضيقة، ويتبع هذه الخصلة السيئة قلة الإنصاف في الحكم على الآخرين، فالتهم تكال كيلاً دون أدنى تحر للعدل والإنصاف، ويتناقل هذه التهم المغفلون والسذج دون أي تحرج أو تأثُّم، فكيف تستقيم حياتنا الإسلامية وفينا هذه الأخلاق، انظر إلى هذا الذي يقول عن إخوانه الذين يتصدون للظلم والقهر والإرهاب السافر، يقول عنهم في لقائه مع رئيس مجلس الدولة: "جئنا لتهدئة الأوضاع والخروج من الأزمة التي سالت فيها الدماء، فأصبح المقتول لا يعرف لماذا قُتِل، والقاتل لا يعرف لماذا قَتَل؟".
أهكذا أيها الداعية؟! المقتول لا يعرف لماذا قتل؟ الذين يجاهدون الظلم ويدفعون عن أنفسهم العدوان لا يعرفون لماذا يجاهدون؟ هل هذه أخلاق رجال؟ هل الذي يشمت بما يفعل بإخوانه يملك الأخلاق الأساسية التي هي من مقومات نهضة الأمة، وكان قد أظهر شماتته في أحداث سبقت وأيد نزول الجيش لإنهاء ما سماه (الفتنة).
إنها مصيبة – والله – أن يكون بعض من لا يتبنى الإسلام عنده من الجرأة والرجولة أكثر من هذا الذي يملك نفساً أنانية ولا يريد إلا التسلق على حساب مصائب إخوانه، ولذلك نقول: إن أزمتنا في بعض جوانبها أزمة أخلاقية.
أزمتنا الأخلاقية(2)
كم هو مؤلم للنفس أن يشكو إليك أخ مسلم حال بعض المنتسبين للدعوة، فيذكر من جفائهم وبعدهم عن تطبيق ما يأمر به الإسلام من الرفق واللين والكلمة الطيبة، والسؤال عن الحوائج وتفقد الأحوال، والزيارة الأخوية، ويتابع هذا الشاكي فيقول: "دخلت المستشفى فلم يزرني الإخوة الذين أعرفهم، وزارني زملاء العمل الذين هم أقرب لأن يكونوا من عوام المسلمين، وبعضهم يعرض عليَّ المساعدة المالية، أو أي خدمة يمكن أن يؤديها".
ونحن نسمع ونرى كيف يخدم أهل الباطل بعضهم، أو من يريدون وقوعه في شباكهم، مع أن المسلمين هم أوْلى الناس بكل مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، ولا يجوز أن يسبقهم سابق في هذا المضمار، وإننا نذكِّر المسلم بحديث: "اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب"، وحديث العاهر التي سقت كلباً في يوم قائظ فغفر الله لها، وحديث المرأة التي عُذِّبت في هرة لها حبستها، وحديث الذي كان يقام عليه حد الخمر فلعنه أحدهم، فقال له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "لا تلعنه إنه يحب الله ورسوله" كما نذكِّرهم بقصة الإمام أبي حنيفة مع جاره السكِّير الذي دخل السجن فشفع له أبو حنيفة، ثم تاب وأناب.
إن من أسباب هذا الجفاء والجفاف عند بعض المنتسبين إلى الدعوة هو ضيق عطنهم، وجهلهم بحال المدعو وبطريقة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وحاله في تأليف الناس، وطريقة العلماء الربانيين من هذه الأمة، ولذلك تجدهم إذا رأوا من هو مقصر في بعض السنن عاملوه بازدراء واستخفاف، وقد لا يسلمون عليه إلا بصوت منخفض، ولا يهتمون به ولا يحاولون استمالته بالكلمة الطيبة أو بصنع المعروف حتى يميل قلبه إلى محبة السنة وأهلها.
وهذا الذي ينظر إلى المقصرين بعين الازدراء وقع في داء أشد وهو العجب بالنفس والاستطالة على الخلق، وهؤلاء غالباً ما يقعون في الغيبة باسم النقد والتقويم، وهذا المرض أصبح فاشياً، فتُذكر معايب المسلم وقد لا تكون فيه، وأكثرها من الأوهام والظنون، ولا تسأل كذلك عن المكر الذي يستعمله بعضهم مع إخوانه ويعد هذا من الذكاء والكياسة، وينظر للمسلم الذي لا يستعمل هذا المكر على أنه مغفل مسكين.
وبعد هذا كله، ألا يحق لنا أن نصف بعض جوانب أزمتنا بأنها أخلاقية، وهي فرع ولا شك من تخلفنا العام الذي طال مكثه فينا، ونحن نحاول من هنا وهناك الخروج من هذا المأزق؟!

السبت، 23 مارس 2013

التوسل فى الاسلام


أولا التوسل بآثار الأنبياء 
التوسل بآثار الأنبياء
قال تعالى : } وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ { الآية من سورة البقرة .

قال الحافظ ابن كثير في التاريخ : قال ابن جرير عن هذا التابوت : وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان كما تقدم ذكره ، فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم اهـ .
قال ابن كثير : وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه ، وكان فيه طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء اهـ (البداية ج2 ص8) .

وقال ابن كثير في التفسير : كان فيه عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة وثياب هارون ومنهم من قال : العصا والنعلان اهـ . [تفسير ابن كثير ج1 ص313] .
وقال القرطبي : والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة وسلبوا التابوت منهم . اهـ . (تفسير القرطبي ج3 ص247) .
وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلاً بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم في حروبهم إلا ذلك والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت ولم ينكر عليهم ذلك الفعل .

ثانيا التوسل بالنبى قبل مولده وقبل بعثته 

قال تعالى ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا
كفروا به فلعنة الله على الكافرين )

جاء فى تفسير بن كثير :
( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) أي : وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم ، يقولون : إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه . 

وجاء فى تفسير البغوى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله ) يعني القرآن ( مصدق ) موافق ( لما معهم ) يعني التوراة ( وكانوا ) يعني اليهود ( من قبل ) قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ( يستفتحون ) يستنصرون ( على الذين كفروا ) على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد صفته في التوراة ، فكانوا ينصرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج [ ص: 121 ] بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم ( فلما جاءهم ما عرفوا ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم من غير بني إسرائيل وعرفوا نعته وصفته ( كفروا به ) بغيا وحسدا . ( فلعنة الله على الكافرين ) 
وحكى القرطبي فى تفسيرة للقرآن وكذلك الطبرى فى تفسيرة وغيرهما

عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ،

فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي

الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم .

قال : فنصروا عليهم . قال : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم .

قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم "


وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ، فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم . قال : فنصروا عليهم . قال : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم . قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم " كفروا به " فلعنة الله على الكافرين . 

وأما فى السنة فقد ورد أنه لما وقع آدم فى الخطيئة واهبط من الجنة

طلب من الله أن يتوب عليه فألهمه الله فقال : ( اللهم بحق محمد إلا غفرت لى ) حديث صحيح

رواة الحاكم فى المستدرك على الصحيحين والإمام الطبرانى والإمام أبوداود وغيرهم والراوى هو سيدنا عمر

(فقال له يا آدم كيف عرفت محمد ولما يأتى بعد ؟ فقال يارب ما نظرت إلى شئ فى الجنة

إلا ووجدت اسمه مقرونا بجوار اسمك فعلمت أنه أحب الخلق إليك فقال له الله 

صدقت يا أدم وإذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك )

هذا الحديث صحح إسناده الإمام الحاكم فقد اخرجه وقال صحيح الإسناد،

2- صححه الإمام السبكي فقد حقق الإمام تقي الدين السبكي في كتابه:

شفاء الأسقام أن هذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن
3- الإمام ابن الجوزيحيث نقل عنه ابن تيميه رواية صحيحة كما سنوردها
أخرجها ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقلها عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به وهي ترفع الحديث ليكون حسناً لغيره ويحتج به بلا منازع.
4- صححه الإمام تقي الدين الحصني الدمشقي 752هـ:829 هـ
دفع شبه من شبه وتمرد ج 1/ص 725- الإمام القسطلاني (ت 923 هـ)
في المواهب اللدنية ( ج 1 ص 16)ذكره الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية ص 49


الشاهد الذي اورده ابن تيمية في مجموع فتاويه
((قد أخرج الحافظ أبو الحسن بن بشران قال : حدثنا أو جعفر محمد ابن عمرو، حدثنا أحمد بن سحاق بن صالح، ثنا محمد بن صالح، ثنا محمد ابن سنان العوقي، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة قال: قلت: يا رسول الله، متى كنت نبياً ؟ قال:
(( لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وخلق العرش،كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب، والأوراق والقباب، والخيام،وآدم بين الروح والجسد،فلما أحياه الله تعالى: نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنه سيد ولدك، فلما غرهما الشيطان ، تابا واستشفعا باسمي إليه ) .


وأخرجه ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقله عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به .
فهذا الطريق إسناده مسلسل بالثقات ما خلا راوٍ واحد صدوق .
وحتى ابن تيمية اورد حديث اخر وقال في اخره فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للاحاديث الصحيحة فتأمل 
قال ابن تيمية:-
(روى أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة ومن طريق الشيخ أبي الفرج حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن رشيد حدثنا أحمد بن سعيد الفهري حدثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال: يا رب، بحق محمد إلا غفرت لي فأوحى إليه وما محمد؟ ومن محمد؟ فقال: يارب إنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك فقال: نعم، قد غفرت لك وهو آخر الأنبياء من ذريتك، ولولاه ما خلقتك".
فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة
[مجموع الفتاوى لابن تيمية ج2 ص159]


وقد أشار إليه الإمام مالك رضي الله عنه في القصة الصحيحة التي لا غبار عليها
قصه الخليف المنصور مع الإمام مالك رضي الله عنه 

(((حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازونيه ، قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد ] ، قال : ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...الخ
إلي أن قال
فاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله ، أستقبل القبلة ، وأدعو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه ، وهو وسيلتك ، ووسيلة أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله - تعالى - يوم القيامة ؟ بل استقبله ، واستشفع به ، فيشفعه الله ، قال الله - تعالى - : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم [ النساء : 64 ] الآية .)) انتهي الشفا 2:41
وهذه القصة صحيحة لا غبار عليها وتدل على أن الإمام مالك يري الخير في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء والاستشفاع به وأنه هو الوسيلة صلى الله عليه وسلم.
فالقصة كما نرى تشير إلى حديث توسل سيدنا آدم عليه السلام بسيدنا محمد بقول الإمام مالك وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام "
وترجح اخذ الإمام مالك رضي الله عنه بصحة الحديث والإقرار به!!!
وقد أخرج هذه القصةرواها أبو الحسن على بن فهر في كتابه فضائل مالك
رواها القاضي عياض في الشفا 2:41 بسنده الصحيح عن شيوخ عده من ثقات مشايخه
وقال الخفاجي في شرحه 3:398 ( ولله دره حيث أوردها بسند صحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه)وذكرها القسطلاني في المواهب 4:580


أخرج الحاكم نفسه شاهدا له عن ابن عباس فقد روى بسنده المتصل إلى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال:
(( أوحى اللهُ إلى عيسى عليه السلام يا عيسى آمِن بمحمد وَأْمُر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقتُ آدم ولولاه ما خلقتُ الجنة والنار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن "قال الحاكم حديث صحيح الإسناد الحاكم في المستدرك ( ج2 ص615 )
وكذلك ورد أن أول واقعة بين الفرس والعرب وتسمى واقعة ذى القار

وكانت مع قبيلة بكر بن وائل قال شيخ القبيلة لشبابها :

ما اسم الرجل الذى عرض عليكم فى مكه وكان النبى يعرض دعوته فى مكة فى أسواقها _

قالوا محمد قال : اجعلوها شعاركم اليوم )فجعلوا شعارهم فى المعركة ( محمد )

قال صل الله عليه وسلم  فبى نصروا )

عند قوله تعالى : ( وكانوا مِن قبْلُ يستفتِحون على الذين كفروا ، فلمًا جاءهم ما عرفوا كفروا به ) البقرة – 89 . ذكر السيوطي في أسباب النزول : عن ابن عباس قال : كانت يهود خيبر تُقاتل غطفان ، فكلما التقوا هَزَموا اليهود ، فعادت يهود بهذا الدعاء - قائلين - : اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم . فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فيهزمون غطفان ، فلما بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به . فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا...إلخ الآية ) .

قال السيوطي : الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة .



· ومن أسباب النزول للسيوطي أيضا قال : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به ... إلخ الحديث . فنحن نرى أن اليهود كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، ولم يُعِبْ عليهم ربُّنا ذلك ، ولكن الله تعالى عاب عليهم أنهم كفروا بالذي كانوا يتوسلون به .

التوسل بالنبى صل الله عليه وسلم فى حياته : 
أولاً قبل بعثته : قال الإمام ابن حجر العسقلانى

(استسقاء عبد المطلب بالنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " وهو رضيع : لقد استسقى عبد المطلب بالنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " وهو طفل صغير ، حتى قال ابن حجر : إن أبا طالب يشير بقوله : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال * اليتامى عصمة للأرامل إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " معه غلام)

فتح الباري : 2 /
-يورد البخاري في كتابه رزاية في هذا المجال , وهي ان الناس اصيبوا يالقحطفي ايام رسول الله (صلى الله عليه واله) فجاؤوا اليه يشكون اليه حالهم ,فدعا رسول الله (صلى الله عليه واله) فنزل المطر فقال النبي (صلى الله عليه واله)((لوكان ابو طالب حيا لقرت عيناه)) وهذه الجملهمن كلام النبي اشارة الى ماكان من النبي قيل البعثة من دعاء ابي طالب لنزول المطر وكان النبي يومذاك رضيعا ,فاخذه ابو طالب واقسم على الله تعالى بحق هذا الطفل الا ماانزلت علينا المطر فاستجيب دعاءه ونجا الناس من الهلاك والقحط ,ثم ان ابا طالب انشد ابياتا من الشعر مطلعها
وابيضُ يستسقى الغَمام بوجهه ثَمال اليتمى عصمة للاراملِ2


التوسل بالنبى فى حياته وبعد انتقاله 

التوسل بالنبى فى حياته الأمة كلها أجمعت عليه ولم يشذ أحد عن هذا الإجماع ،
لكن وقع الخلاف فى مسألة التوسل بالنبى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى 

جانب كبير من علماء أهل السنة والجماعة ومن بينهم علماء الصوفية يعتقدون أن التوسل بالنبي في حياته وبعد وفاته هو أمر متفق عليه بين المسلمين طيلة فترة السلف ولم يكن محل نقاش إلا بعد مضي ستة قرون على وفاة النبي محمد فكان أن أثير الخلاف في التوسل بالنبي بعد مماته والتوسل بغيره كالأئمة ووالأولياء، ويستشهدون بنصوص من الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح من بينها الحديث الذي رواه عثمان بن حنيف وقصة الرجل مع عثمان بن عفان والتي صححها الطبراني وغيره، والذي ورد فيه النص التالي بجواز التوسل بالنبي محمد في حياته وبعد وفاته: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمــد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي" [13]. واستمر جمهور العلماء يجمعون على جواز التوسل بالنبي والرجال الصالحين إلى أن أعيد النقاش قبل حوالي مائتي عام. ويرى هذا الجانب من علماء أهل السنة والجماعة أن ابن تيمية هو أول من ابتدع القول بحرمة التوسل 
ومنهم من قال أنه لا يجوز التوسل بأحد من الخلق إلاّ بالنبي محمد وحده دون التفريق بين حياته أو مماته،
ومن القائلين بهذا الإمام العز بن عبد السلام

بينما السلفية: يعتقدون بجواز التوسل بدعاء النبي واستغفاره في حياته دون مماته. أما التوسل إلى الله بذات النبي وذوات غيره من الأنبياء والصالحين (كأن يقول: اللهم إني أسألك بفلان، أو أتوسل إليك بحق فلان، أو بجاه فلان)، فهي عبادة غير مشروعة لم ترد بها نصوص صحيحة، ولم يفعلها أحد من السلف،
وإن كانوا يقرون بأنها مسألة خلافية لا يجوز الغلو في الإنكار على فاعلها، أو تكفيره


يقول محمد بن عبد الوهاب في فتاواه:
"وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه، فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أكثر مما يدعو الله ويقصد القبر يتضرع عند ضريح..يطلب فيه تفريج الكربات..، فأين هذا ممن يدعو الله أحدًا ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك أو..بعبادك الصالحين، أو يقصد قبرًا معروفًا أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو إلا الله..فأين هذا مما نحن فيه" (فتاوى محمد بن عبد الوهاب، مجموعة المؤلفات، القسم الثالث، ص 68، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)


وما دام هناك إجماع على التوسل بالنبى فى حياته فلا داعى لأن نفرد له صفحات
أو نأتى بالأدلة على إثباتها فالأمة كله مجمعة عليها
ولكن سنذكر الأدلة على التوسل بالنبى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى
وكذلك التوسل بالصالحين والتبرك بآثار الأنبياء والأولياء إن شاء الله 

فقد ورد عن رسول الله أنه قال

" من خرج من بيته الى الصلاة فقال : اللهم أسألك بحق السائلين عليك . و بحق ممشاي هذا . فانى لم أخرج أشر ولا بطرا ........)

رواة ابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى
قال المنذري في الترغيب والترهيب ج3 ص119 : رواه ابن ماجه بإسناد فيه مقال ،وحسنه شيخنا الحافظ أبو الحسن .
وقال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار ج1 ص272 : هذا حديث حسن ، أخرجه أحمد وابن خزيمة في كتاب التوحيد ، وأبو نعيم وابن السني .
وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ج1 ص323 عن الحديث : بأنه حسن.
وقال الحافظ البوصيري في زوائد ابن ماجه المسمى ((بمصباح الزجاجة)) ج1 ص98 : رواه ابن خزيمة في صحيحه .
وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في المتجر الرابع ص471 : إسناده حسن إن شاء الله .
وذكر العلامة المحقق المحدث السيد علي بن يحي العلوي في رسالته اللطيفة هداية المتخبطين : أن الحافظ عبد الغني المقدسي حسّن الحديث ، وقبله ابن أبي حاتم،


وبهذا يتبين لك أن هذا الحديث صححه وحسنه ثمانية من كبار حفاظ الحديث وأئمته ، وهم :
ابن خزيمة والمنذري وشيخه أبو الحسن والعراقي والبوصيري وابن حجر وشرف الدين الدمياطي وعبد الغني المقدسي وابن أبي حاتم ، وهؤلاء منهم
فهل يبقى بعد قول هؤلاء كلام المتكلم ، وهل يصح من عاقل أن يترك حكم هؤلاء الفحول من الرجال الحفاظ المتقنين إلى قول المتطفلين على موائد الحديث.
{ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ . }
{ . فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } .

وما رواه الطبرانى و ابن حيان و الحاكم عن أنس رضى الله عنه" لما ماتت فاطمه بنت أسد أم على ابن طالب

" دخل الرسول صل الله عليه وسلم الغير فاضطجع و قال الله الذى يحيى و يميت و هو حي لا يموت أغفر لأمى فاطمه بنت أسد و لقنها حجتها و وسع عليها مدخلها بحق نبيك و الأنبياء الذى من قبلى فأنك أرحم الراحمين "رواه ابن ابى شيبه عن جابر . و كذا رواه ابن عبد البر عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين .

جاء في مناقب فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب إنها لما ماتت حفر رسول الله صل الله عليه وسلم لحدها بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صل الله عليه وسلم فاضطجع فيه فقال : ((الله الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين . وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم)) ..

. رواه الطبراني في الكبير والأوسط . وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم ، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح . [ كذا بمجمع الزوائد ج9 ص257 ] .
واختلف بعضهم في [روح بن صلاح] أحد رواته ، ولكن ابن حبان ذكره في الثقات ، وقال الحاكم : ثقة مأمون ، وكلا الحافظين صحح الحديث ، وهكذا الهيثمي في [مجمع الزوائد] ورجاله رجال الصحيح(11)[1].
ورواه كذلك ابن عبد البر عن ابن عباس ، وابن أبي شيبة عن جابر ، وأخرجه الديلمي وأبو نعيم ، فطرقه يشد بعضه بعضاً بقوة وتحقيق(12) .
قال الشيخ الحافظ الغماري في إتحاف الأذكياء ص20 : وروح هذا ضعفه خفيف عند من ضعفه كما يستفاد من عباراتهم ، ولذا عبر الحافظ الهيثمي بما يفيد خفة الضعف كما لا يخفى على من مارس كتب الفن . فالحديث لا يقل عن رتبة الحسن بل هو على شرط ابن حبان صحيح .
ونلاحظ هنا أيضاً أن الأنبياء الذين توسل النبي r بحقهم على الله في هذا الحديث وغيره قد ماتوا فثبت جواز التوسل إلى الله [بالحق] وبأهل الحق أحياء وموتى .


و فى الحديث الذى رواه الترميزى و النسائى و البيهقىو الطبرانى باسناد صحيح عن عثمان ابن حنيف رضى الله عنه

" أن رجل رجل ضرير البصر أتى البى فقال ادعوا الله أن يعافينى ’ قال ان شئت دعوت و ان شئت صبرت خير لك قال فادعه ؟ قال فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء و يدعو بهذا

( اللهم أنى أسألك و أتوجه اليك نبيك محمد نبى الرحمة انى توجهت بك الى ربى فى حاجتى هذه لتقض لى اللهم شفعه فيّ ). فعاد و قد أبصر .
والسبب فى رواية سيدنا عثمان بن حنيف لهذا الحديث هى : أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه فى حاجة له أثناء توليه إمارة المؤمنين _فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر فى حاجته

فلقى عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف :ائت الميضأة فتوضأ فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل : اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة ، يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربى لتقضى لى حاجتى وتذكر حاجتك ورح إلى حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال لهثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيدة فأدخله على عثمان بن عفان وأجلسه وذكر حاجته لعثمان فقضاها له وقال له : ما كانت لك من حاجة فائتنا وخرج الرجل من عنده ولقى عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله خيرا ما كان ينظر فى حاجتى حتى كلمته فىّ فقال عثمان : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صل الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير ثم ذكر الحديث ، والقصه تدل على ما يدل عليه الحديث وتغلق الباب وتسد الطريق على من حاول أن يزعم أن الحديث خاص بحياة النبى صل الله عليه وسلم وقد صحح هذا الحديث

الحاكم والترمذى وصححه الألبانى أيضا قال عنه إسناده صحيح فى التعليق على صحيح بن خزيمه 1219
ورواة الطبرانى فى الصغير والبيهقى فى دلائل النبوة والمنذرى فى الترغيب والترهيب 


قال الطبراني: "والحديث صحيح" ففيه دليل على أن الأعمى توسّل بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في غير حضرته، بل ذهب إلى الميضأة فتوضأ وصلى ودعا باللفظ الذي علّمه رسول اللّه، ثم دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم والنبي لم يفارق مجلسه لقول راوي الحديث عثمان بن حُنيف: "فواللّه ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا وقد أبصر".
والهيثمى فى مجمع الذوائد والمباركفورى فى تحفة الأحوذى
صحابي توسل واستغاث بالنبي في حضرة عمر ولم ينكر عليه

روى البيهقي (1) بإسناد صحيح عن مالك الدار (وكان خازن عمر)

قال [أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام فقال:
إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له:عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال:
يا رب ما ءالو إلا ما عجزت] اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني الصحابي

، فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2) ما نصه

[وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان

عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى

قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك

فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر . . . الحديث.

وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو

بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة] ا.هـ.
------------
(1) انظر البداية والنهاية (7/ 91-92) (2) فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/495-496)
وخازن عمر يقولون أنه مجهول وردنا أنه لو لم يكن ثقة لما اختارة الفاروق رضى الله عنه ليكون خازنه 



التوسل بقبر النبي صل الله عليه وسلم بإرشاد السيدة عائشة
قال الإمام الحافظ الدارمي في كتابه السنن [باب ما أكرم الله تعالى نبيه r بعد موته] : حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة، فقالت : أنظروا قبر النبي r فاجعلوا منه كوا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ، قال : ففعلوا ، فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل (تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق ، ومعنى كوا أي نافذة). اهـ سنن الدارمي ج1 ص43 .
فهذا توسل بقبره صل الله عليه وسلم لا من حيث كونه قبراً ، بل من حيث كونه ضم جسد أشرف المخلوقين وحبيب رب العالمين ، فتشرف بهذه المجاورة العظيمة واستحق بذلك المنقبة الكريمة .تخريج الحديث :
أما أبو النعمان فهو محمد بن الفضل الملقب بعارم شيخ البخاري ، قال الحافظ في التقريب عنه : - ثقة ثبت – تغير في آخر عمره .
قلت : وهذا لا يضره ولا يقدح في روايته لأن البخاري روى له في صحيحه أكثر من مائة حديث وبعد اختلاطه لم تحمل عنه رواية ، قاله الدارقطني ، ولا ينبّئك مثل خبير .
وقد ردّ الذهبي على ابن حبان قوله: (بأنه وقع له أحاديث منكرة) فقال: ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً فأين ما زعم؟(كذا في ميزان الاعتدال ج4 ص8).
وأما سعيد بن زيد فهو صدوق له أوهام ، وكذلك حال عمرو بن مالك النكرى كما قال الحافظ ابن حجر عنهما في التقريب .
وقد قرر العلماء بأن هذه الصيغة وهي – صدوق يهم – من صيغ التوثيق لا من صيغ التضعيف (كذا في تدريب الراوي) .
وأما أبو الجوزاء فهو أوس بن عبد الله الربعي وهو ثقة من رجال الصحيحين فهذا سند لا بأس به ، بل هو جيّد عندي ، فقد قبل العلماء واستشهدوا بكثير من أمثاله وبمن هم أقل حالاً من رجاله .

السيدة عائشة وموقفها من قبر النبي صل الله عليه وسلم :
أما قول بعضهم : بأن هذا الأثر موقوف على عائشة وهي صحابية ، وعمل الصحابة ليس بحجة ، فالجواب هو أنه وإن كان رأياً لعائشة إلا أنها رضي الله عنها معروفة بغزارة العلم ، وفعلت ذلك في المدينة بين علماء الصحابة . ويكفينا من هذه القصة أنها دليل على أن عائشة أم المؤمنين تعلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم لا زال بعد وفاته رحيماً وشافعاً لأمته وأن من زاره واستشفع به شفع له ، كما فعلت أم المؤمنين ، وليس هو من قبيل الشرك أو من وسائل الشرك كما يلغط به هؤلاء المكفرون المضللون ، فإن عائشة ومن شهدها لم يكونوا ممن يجهلون الشرك ولا ما يمت إليه .
فالقصة تدمغ هؤلاء وتثبت أن النبي صل الله عليه وسلم يهتم بأمته في قبره حتى بعد وفاته ، وقد ثبت أن أم المؤمنين عائشة قالت : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صل الله عليه وسلم وأضع ثيابي ، وأقول إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر معهما فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة حياء من عمر . (رواه أحمد) .

قال الحافظ الهيثمي : رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ج8 ص26) ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يعترضه الذهبي بشيء (ج4 ص7) .
ولم تعمل عائشة هذا باطلاً بل هي تعلم أن النبي صل الله عليه وسلم وصاحبيه يعلمان من هو عند قبورهم .
وقد قال النبي صل الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله لليمن : فلعلك تمر بقبري ومسجدي . (رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات إلا يزيد لم يسمع من معاذ ((كذا في مجمع الزوائد ج10 ص55)) ) فتوفي رسول الله صل الله عليه وسلم وجاء معاذ إلى قبر النبي صل الله عليه وسلم باكياً . وشاهده عمر بن الخطاب على هذا الحال وجرت بينهما هذه المحادثة كما رواها زيد ابن أسلم عن أبيه قال : خرج عمر إلى المسجد فوجد معاذ بن جبل عند قبرالنبي صل الله عليه وسلم يبكي ، قال : ما يبكيك ؟ قال : حديث سمعته عن رسول الله صل الله عليه وسلم (اليسير من الرياء شرك)) . قال الحاكم : صحيح ولا يعرف له علة ، ووافقه الذهبي فقال : صحيح ولا علة له . (كذا في المستدرك ج1 ص4) .
وقال المنذري في الترغيب والترهيب : رواه ابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال : صحيح لا علة له ، وأقره أعني المنذري (ج1 ص32) .
التوسل بقبر النبي صل الله عليه وسلم في خلافة عمر رضي الله عنه
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا : حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي r فقال : يا رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتاه رسول الله صل الله عليه وسلم في المنام فقال : (( ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مسقون ، وقل له : عليك بالكيس الكيس )) ..
فأتى الرجل فأخبر عمر ، فقال : يارب ! ما آلو إلا ما عجزت عنه .وهذا إسناد صحيح .
[كذا قال الحافظ ابن كثير في البداية (ج1 ص91) في حوادث عام ثمانية عشر] .
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري – وكان خازن عمر – قال : ((أصاب الناس قحط في زمن عمر رضي الله عنه فجاء رجل إلى قبر النبي r فقال : يارسول الله صل الله عليه وسلم استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر ، الحديث .
وقد روى سيف في الفتوح : أن الذي رأى في المنام المذكور هو بلال ابن الحارث المزني أحد الصحابة . قال ابن حجر : إسناده صحيح اهـ .
(صحيح البخاري كتاب الاستسقاء) ، [ فتح الباري ص415 ج2 ](14) [2].
ولم يقل أحد من الأئمة الذين رووا الحديث ولا من بعدهم ممن مر بتصانيفهم من الأئمة أنه كفر وضلال ولا طعن أحد في متن الحديث به ، وقد أورد هذا الحديث ابن حجر العسقلاني وصحح سنده كما تقدم ، وهو من هو في علمه وفضله ووزنه بين حفاظ الحديث مما لا يحتاج إلى بيان وتفصيل

قصة العتبى في التوسل
قال الإمام الحافظ عماد الدين ابن كثير :
ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل (( الحكاية المشهورة )) عن العتبى قال : كنت جالساً عند قبر النبي صل الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشد يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه :: فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه :: فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صل الله عليه وسلم في النوم فقال : [إلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له] .
فهذه القصة رواها الإمام النووي في كتابه المعروف بالإيضاح في الباب السادس ص498 ، ورواها أيضاً الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسيره الشهير عند قوله تعالى : } وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ { .. الآية .
ورواها أيضاً الشيخ أبو محمد ابن قدامة في كتابه المغني (ج3 ص556)، ونقلها أيضاً الشيخ أبو الفرج ابن قدامة في كتابه الشرح الكبير (ج3 ص495)، ونقلها أيضاً الشيخ منصور بن يونس البهوتي في كتابه المعروف بكشاف القناع من أشهر كتب المذهب الحنبلي (ج5 ص30)(16)[4].
وذكر الإمام القرطبي عمدة المفسرين قصة تشبهها في تفسيره المعروف بالجامع، قال: روى أبو صادق عن علي قال : قدم علينا أعرابي بعد ما دفنَّا رسول الله صل الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صل الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال : قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله فوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) .. الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر : إنه قد غفر لك .[تفسير القرطبي ج5 ص265] .

هذه قصة العتبى وهؤلاء هم الذين نقلوها وسواء أكانت صحيحة أم ضعيفة من ناحية السند الذي يعتمد عليه المحدثون في الحكم على أي خبر، فإننا نتساءل ونقول هل نقل هؤلاء الكفر والضلال ؟ .. أو نقلوا ما يدعو إلى الوثنية وعبادة القبور ؟ .
إذا كان الأمر كذلك فأي ثقة فيهم أو في كتبهم ؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .

أبيات العتبي على شباك النبي صل الله عليه وسلم
تقدم ذكر البيتين الذين أنشدهما الأعرابي عند زيارته للنبي صل الله عليه وسلم ، ورواها العتبى وهي :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وهذه الأبيات مكتوبة بفضل الله على المواجهة النبوية الشريفة في العامود الذي بين شباك الحجرة النبوية يراها القاصي والداني منذ مئات السنين حتى في عهد المرحوم الملك عبد العزيز ، فالملك سعود فالملك فيصل فالملك خالد رحمهم الله تعالى ، فالملك فهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، وستبقى بإذن الله بناء على توجيهات خادم الحرمين بالمحافظة على كل ما في المسجد النبوي الشريف وعدم إزالة أي أثر قديم .
] ] ] 


.


*أخرج ابن أبي خيثمة في تاريخه - (ج 1 / ص 444) قال:حَدَّثَنا إبراهيم بن الْمُنْذِر ، قال : حدثنا سفيان بن حمزة ، عن كثير بن زيد ، عن المطلب بن حنطب ، قال : جاء أبو أيوب الأَنْصَارِيّ يريد أن يُسَلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء مَرْوَان وهو كذلك فأخذ برقبته ، فقال : هل تدري ما تصنع ؟ فقال : قد دريت أني لم آتِ الخدر ولا الحجر ولكني جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تبكوا على الدين ما وليه أهله ، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله".
قلت:إسناده حسن،وصححه الحاكم والذهبي وحسنه السّبكي والسمهودي والصالحي الدمشقي،والمناوي.


وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده من طريق آخر قال:حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:أَقْبَلَ مَرْوَانُ يَوْمًا فَوَجَدَ رَجُلًا وَاضِعًا وَجْهَهُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ أَتَدْرِي مَا تَصْنَعُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ نَعَمْ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ آتِ الْحَجَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَبْكُوا عَلَى الدِّينِ إِذَا وَلِيَهُ أَهْلُهُ وَلَكِنْ ابْكُوا عَلَيْهِ إِذَا وَلِيَهُ غَيْرُ أَهْلِهِ.
وأخرجه كذلك الحاكم في المستدرك وابن عساكر في تاريخ دمشق - (ج 57 / ص 249) من طريق عبد الملك بن عمرو العقدي ، ثنا كثير بن زيد ، عن داود بن أبي صالح ، قال : أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر ، فأخذ برقبته وقال : أتدري ما تصنع ؟ قال : نعم ، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، فقال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر.
وقال: « هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه »،وأقرّه الذهبي في التلخيص.


وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق شيخيه هارون بن سليمان أبي ذر، وأحمد بن رشدين قال: حدثنا سفيان بن بشر الكوفي قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب به.
وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي أيوب إلا بهذا الإسناد تفرد به حاتم.اهـ وليس كما قال فقد تابعه عبد الملك بن عمرو العقدي الثقة الحافظ،والصدوق سفيان بن حمزة كما تقدّم معك،وتابعهما أيضا عمر بن خالد عن أبي نباتة عن كثير بن يزيد عن المطلب به كما في خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - (ج 1 / ص 59) للسمهودي،إلا أن حاتم بن إسماعيل وسفيان بن حمزة وأبا نباتة رووه عن زيد بن كثير عن المطلب بن حنطب،وخالفهم عبد الملك بن عمر العقدي،فقال: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ به،ورواية الجماعة هي المحفوظة،والأصح،


وقد غفل عن هذه العلة أحد المعاصرين واعتمد رواية العقدي واضطر لتضعيفها بسبب جهالة داود بن صالح،ولم يطلع على طريق ابن أبي خيثمة المحفوظة وليس فيها داود بن أبي صالح.والحديث مداره على زيد بن كثير،قال الحافظ في التقريب: كثير بن زيد الأسلمى السهمى ، من الطبقة : 7 : من كبار أتباع التابعين ،روى له : ( البخاري في جزء القراءة خلف الإمام وأبو داود والترمذي وابن ماجه )،وقال : صدوق يخطىء،وقال الذهبي : قال أبو زرعة : صدوق فيه لين.قلت: وثقه أحمد وضعفه النسائي،وهو صدوق حسن الحديث،ويخطئ أحيانا.،ولو لاه لحكمنا على الحديث بالصّحة.

روى المقدسي في الأحاديث المختارة ج: 4 ص: 105‏ والطبراني في المعجم الكبير ج 1 ص 166‏ وابن حبان كما في موارد الظمآن ج: 1 ص: 485‏ واللفظ له
كلهم من طرق عن وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن صالح بن كيسان ‏عن عبيد الله بن عبد الله قال رأيت أسامة بن زيد عن عبيد الله بن عبد الله قال رأيت أسامة بن زيد (زاد في المختارة: مضطجعا على باب حجرة عائشة رافعا عقيرته يتغنى ورأيته) يصلي (وعند الطبراني: يدعو) عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج مروان بن الحكم فقال تصلي إلى قبره ‏(وفي المختارة: تصلي عند قبره ) فقال إني أحبه فقال له قولا قبيحا ثم أدبر فانصرف أسامة بن زيد فقال له يا مروان إنك آذيتني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏يقول إن الله يبغض الفاحش المتفحش وإنك فاحش متفحش
فهذا الحديث صححه ابن حبان وحسنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق الإحسان وكذا محقق المختارة.
وذكرة الامام الذهبي في سير اعلام النبلاء في ترجمة سيدنا أسامة بن زيد
وذكرة الامام القرطبي في تاريخة


في كتاب سؤالات عبد الله بن أحمد بن حنبل لأحمد قال:
" سألت أبي عن مس الرجل رمانة المنبر يقصد التبرك, وكذلك عن مس القبر ", فقال:" لا بأس بذلك".

انظر كشاف القناع (2/150).
وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال ما نصه: سألته عن الرجل يمس منبر النبي (صلّى الله عليه و سلّم) و يتبرك بمسّه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد التقرب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك.
العلل لأحمد بن حنبل (2/492).
قال المرداوي في كتابه الإنصاف (من أهم مراجع الفقه الحنبلي) (2\456):
يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب، وقيل يُستحب. قال الإمام أحمد للمروذي: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه. وجزم به في المستوعب وغيره.

سيدنا عمر رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري
الجزء الاول صحيفة 58
عن سيدنا عمر رضي الله عنه (قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلي فنزلت الاية(واتخذوا من مقام ابراهيم مصلي))
فالذي يعظم مقام سيدنا ابراهيم عيه السلام كيف لا يعظم مقام نبية صلي الله عليه وسلم ويتهم من قام بالصلاة وزيارتة بالشرك؟؟

يا محمد.... ، وامحمداه .....
توسل في صورة النداء




روى البخاري في الأدب المفرد ما نصه : (( حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي اسحق عن عبد الرحمن بن سعد قال : (( خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك فقال : يا محمد )) ا.هـ . 

وقد ذكر البخاري هذا الحديث تحت عنوان : (( باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله )).ونص عبارة ابن تيمية في كتابه الكلم الطيب تحت عنوان "فصل في الرجل إذا خدرت قال عن الهيثم بن حَنَش، قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد فكأنما نشط من عقال".

عن الهيثم بن خنس قال : كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل : أذكر أحب الناس إليك ، فقال : يا محمد ، فكأنما نشط من عقال .


في كتاب البداية والنهاية لابن كثير في المجلد الذي فيه الجزء السابع والثامن ص 104-105

يذكر فيه عن بلال ابن الحارث المزني الصحابي الذي قصد قبر النبي وطلب منه ما لم تجري به العادة وتوسل به،
وفيه يقول: "إن أهله طلبوا منه أن يذبح لهم شاة فقال ليس فيهِنَّ شيء فألحوا عليه فذبح الشاة فإذا عظمها حُمُرٌ فقال: "يا محمداه"، ما كفر ولا كفره أحد من الصحابة،


ذكر الحافظ ابن كثير إن شعار المسلمين في موقعة اليمامة كان : [ محمـــداه ] .
. قال ما نصه :وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله،
ثم رجع ثم وقف بين الصفين ودعا البراز وقال : أنا ابن الوليد العود أنا ابن عامر وزيد ، ثم نادى بشعار المسلمين ،
وكان شعارهم يومئذ [يامحمداه]) . 


الكتب التى ذكرت هذه الرواية ( يا محمداه ) ومن ضمنها

الطبرى فى تاريخه (2/281) , ابن الأثير فى الكامل (2/221) , ابن كثير

فى البداية والنهاية (6/324 ) 
.

فقد روى الحافظ أبو نعيم في الحلية ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ،
ومحمد المرتضى الزبيدي في كتابه اتحاف السادة المتقين
:أن خبيب بن عدي الأنصاري رضي الله عنه لما قُدّم للقتل بعدما أنشد هذين البيتين من الشعر :


فلست أبالي حين أقتل مسلما ً****على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ****** يبارك على أوصال شلو مُمَزَّع

قال : يا محمد ، ثم ضربوه فقتلوه .

وخبيب هذا هو من الصحابةالأنصار الذين ناصروا رسول الله وأحد الذين شهدوا بدراً الكبرى ، ومعلوم ما للبدريين من شأن عظيم وفضل كبير ، فلقد وردت البشارة لمن شهد بدراً بالجنة ، فما ظنك بإنسان هذا حاله يقول قبل وفاته بلحظات : يا محمد فتكون من أواخر كلماته التي خرج عليها من الدنيا .

معنى توسل عمر بالعباسأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كانوا إذا قحطوا – استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : [ اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ] .
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب من طريق غيره هذه القصة بأبسط من هذا ، وتلخيصها :
عن عبد الله بن عمر قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة [بفتح الراء وتخفيف الميم] سميت بذلك لكثرة تطاير الرماد لاحتباس المطر بالعباس ابن عبد المطلب ، فخطب الناس فقال : ياأيها الناس إن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صل الله عليه وسلم في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله : أدع يا عباس فكان من دعائه رضي الله عنه : اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة ،
وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث واحفظ اللهم نبيك في عمه ، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس وأقبل الناس على العباس يتمسحون به ، ويقولون له : هنيئاً لك يا ساقي الحرمين ، وقال عمر – رضي الله عنه – ذلك : هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه ، وفي ذلك أنشد عباس بن عتبة ابن أخيه أبياتاً منها :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله :: عشية يستسقى بشيبته عمر
وقال ابن عبد البر : وفي بعض الروايات فأرخت السماء عزاليها فجاءت بأمثال الجبال حتى استوت الحفر بالآكام
وأخصبت الأرض وعاش الناس ، فقال عمر رضي الله عنه : هذا والله الوسيلة إلى الله عز وجل ، والمكان منه .
وقال حسان بن ثابت :
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت مخضرة الأجناب بعد الياس
وقال الفضل بن عباس بن عتبة :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقى بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغباً فماكر حتى جاء بالديمة المطر

وفي رواية: وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين.
كذا في الاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة العباس .
وكان الحق لعمر في أن يؤم الناس مستسقياً لهم لكنه تأخر عن حقه وقدم العباس للاستسقاء تعظيماً لرسول الله صل الله عليه وسلم وتفخيماً لأهله وتقديماً لعمه صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه مبالغة في التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما استطاع ، وحث الناس على اتخاذ الناس لعباس وسيلة إلى الله جل شأنه وكذلك اتخذه هو وسيلة بتقديمه ليدعو ليقيمه بذلك مقام رسول الله r حين كان حياً فاستسقى لهم بالمصلى ليكون أبلغ في تعظيمه والإشادة بفضل أهل بيته.
وبين عمر ذلك في دعائه حيث قال : [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا] .. يعني كنا نتوسل إليك بخروجه بالناس إلى المصلى ودعائه لهم وصلاته بهم ، وإذ قد تعذر ذلك علينا بوفاته عليه الصلاة والسلام فإني أقدم من هو من أهل بيته ليكون الدعاء أرجى للقبول وأرجى للإجابة .

ولما دعا العباس توسل برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :
وقد تقرب القوم بي لمكاني من نبيك أي لقرابتي منه فاحفظ اللهم نبيك في عمه ، يعني اقبل دعائي لأجل نبيك .
فالقضيـة في الاستسقـاء ولا صلـة لها بالتوسل الذي نحن بصدد الكلام عنه والذي وقع فيه الخلاف وهذا أمر يعرفه كل ذي عينين لأن القصة تدل على هذا بوضوح فقد أصابهم القحط واحتاجوا إلى إقامة الاستغاثة بصلاة الاستسقاء وهذا يحتاج إلى إمام يصلي بهم ويدعو لهـم ويقيـم هـذه الشـعـيـرة الإسـلاميـة الـتي كــان يقيمهـا النبي صل الله عليه وسلم لما كان في دار التكليف كغيرها من شعائر الدين من إمامة وجمعة وخطبة فهي وظائف تكليفية لا يقوم بها أهل البرزخ لانقطاع التكليف عنهم واشتغالهم بما هو أعظم من ذلك .


ومن فهم من كلام أمير المؤمنين أنه إنما توسل بالعباس ولم يتوسل برسول الله صل الله عليه وسلم
لأن العباس حي والنبي ميت فقد مات فهمه وغلب عليه وهمه ونادى على نفسه بحالة ظاهرة
أو عصبية لرأيه قاهرة ، فإنما عمر لم يتوسل بالعباس إلا لقرابته من رسول الله r تلمح ذلك في قوله
وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا وهو بذلك قد توسل برسول الله صل الله عليه وسلم على أبلغ الوجوه .

وقد بعد عن الصواب كل البعد من رمى المسلمين بالشرك بسبب ذلك مع قوله بجواز التوسل بالحي ،
فإن التوسل لو كان شركاً ما جاز بالحي ولا الميت ، ألا ترى أن اعتقاد الربوبية واستحقاق العبادة لغير الله من نبي
أو ملك أو ولي هو شرك وكفر لا يجوز هنا في حياته الدنيا ولا الآخرة .
فهل سمعت من يقول : إن اعتقاد الربوبية لغير الله جائز إذا كان حياً أما بعد وفاته فشرك ، وقد عرفت أن اتخاذ المعظم وسيلة إلى الله تعالى لا يكون عبادة للوسيلة إلا إذا اعتقد انه رب كما كان ذلك شأن عباد الأوثان مع أوثانهم فإذا لم يعتقد ذلك فيه وكان مأموراً منه عز وجل باتخاذه وسيلة كان ذلك الاتخاذ عبادة للآمر سبحانه .


إمام الدعاة الشيخ الشعراوى ولماذا توسل سيدنا عمر بسيدنا العباس
ولم يتوسل بسيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم 

ولإمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى فيديو على اليوتيوب
يبين فيه لماذ توسل سيدنا عمر بسيدنا العباس ولم يتوسل بسيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم
قال فيه: نتوسل إليك بعم نبيك العباس لماذا ؟ لأنهم فى وقت الضراعة والضراعة نشأت عن حاجة
ومن المحتاجين عم نبيك فإن كنا لا نستحق فاسقنا من أجل عم نبيك ، فيأتى البعض ويقولوا : أن معنى هذا أنه لا يصح التوسل بالميت ولا يستعان به لأنه ميت بدليل أن عمر فى الإستسقاء لم يتوسل برسول الله
فنقول له صدقت لكنه عندما توسل هل توسل بالعباس أم توسل وقال ( بعم نبيك ) توسل بعم نبيه إذن لقد آلت إلى النبى ، أذن هذا الحديث أعطانا حجة ليس فى التوسل به صل الله عليه وسلم فحسب
بل أيضاً بالتوسل بأقاربه صل الله عليه وسلم 

ولماذا نقل الأمر من التوسل بالنبى إلى التوسل بعم النبى ؟ 
لأن رسول الله قد انتقل إلى ربه ولا ينتفع الآن بالماء والذى ينتفع الآن بالماء هو عم نبيه صل الله عليه وسلم
فنقول يارب : عم نبيك عطشان لكن لايصح هنا أن نقول نبيك يحتاج للماء لأنه انتقل إلى الرفيق الأعلى
اذن فالذين أرادوا أن يأخذوا من هذا الحديث دليلا على عدم جواز التوسل بذوى الجاه عند الله
نقول لهم ان الحديث ضدكم وليس لكم لأنه أثبت أن التوسل جائز بمن ينتسب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم


بلال رضي الله عنه
بعد انتقال النبى صل الله عليه وسلم
ذهب بلال رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه يقول له:
يا خليفة رسول الله، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول:
أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله...
قال له أبو بكر: (فما تشاء يا بلال؟) قال:أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت...

قال أبو بكر: (ومن يؤذن لنا؟؟)... قال بلال رضي الله عنه وعيناه تفيضان من الدمع: إني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله....
قال أبو بكر: (بل ابق وأذن لنا يا بلال)....

قال بلال رضي الله عنه: إن كنت قد أعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد، وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له... قال أبو بكر: (بل أعتقتك لله يا بلال) ....
فسافر إلى الشام رضي الله عنهحيث بقي مرابطا ومجاهدا


يقول عن نفسه:
لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أراد أن يؤذن وجاء إلى"أشهد أن محمدًا رسول الله"تخنقه عَبْرته، فيبكي، فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين

وبعد سنين رأى بلال رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم- في منامه وهو يقول:

(ما هذه الجفوة يا بلال؟ ما آن لك أن تزورنا؟)... فانتبه حزيناً، فركب إلى المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم- وجعل يبكي عنده ويتمرّغ عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما فقالا له: (نشتهي أن تؤذن في السحر!)... فعلى سطح المسجد فلمّا قال: (الله أكبر الله أكبر)....


ارتجّت المدينة فلمّا قال: (أشهد أن لا آله إلا الله)... زادت رجّتها فلمّا قال: (أشهد أن محمداً رسول الله)... خرج النساء من خدورهنّ، فما رؤي يومٌ أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم
وعندما زار الشام أمير المؤمنين عمر-رضي الله عنه- توسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا رضي الله عنه على أن يؤذن لهم صلاة واحدة، ودعا أمير المؤمنين بلالا رضي الله عنه ، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها، وصعد بلال وأذن ......

فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبلال رضي الله عنه يؤذن، بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا، وكان عمر أشدهم بكاء...

وعند وفاته رضي الله عنه تبكي زوجته بجواره، فيقول: 'لا تبكي..

"غداً نلقى الأحبه ... محمداً وصحبه"


تخريج أثر زيارة سيدنا بلال لقبر المصطفى صل الله عليه وسلم 

تمهيد :

أعلم وفقني الله واياك الى ما يحبه ويرضاه ؛ ان الامام الذهبي رحمه الله قد اعترف بإن رجال السند ليس فيهم ضعيف ، ماعدا شخص واحد قال بانه مجهول ..

حيث قال الذهبي في تاريخ الاسلام في ترجمة " إبراهيم بن محمد بن سليمان الشامي " بعد ان ذكر هذه القصة : ( إسناده جيد ما فيه ضعيف ، لكن إبراهيم مجهول ) ..

وبإعتراف الحافظ الذهبي بتوثيق رجال السند كلهم مع جهالة أحدهم فقط ؛ سيكون هذا هو المرتكز الذي سنكمل عليه ان شاء الله ..

فقد كفانا الذهبي مؤنة الكلام عن رجال السند ، فلله دره ..

وسنبدأ ان شاء الله بتخريج الحديث والكلام عنه بإذن المولى الجليل ..


تخريج الأثر :

هذا الاثر أخرجه ابن الاثير في ترجمة " أبو رويحة الخثعمي " ، وأخرجها ايضاً الحافظ ابن عساكر في تاريخه ( 7 / 136 - 137 برقم 493 ) في ترجمة " إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال " ، ومثله فعل الذهبي حيث اوردها في سير أعلام النبلاء ( 1 / 357 - 358 ) ، وفي تاريخ الاسلام كلهم من طريق : محمد بن الفيض نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء حدثني أبي محمد بن سليمان عن أبيه سليمان بن بلال عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال لما دخل عمر بن الخطاب الجابية سأل بلال أن يقدم الشام ففعل ذلك قال وأخي أبو رويحة الذي أخى بينه وبيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل داريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان فقال لهم قد جئناكم خاطبين وقد كنا كافرين فهدانا الله ومملوكين فأعتقنا الله وفقيرين فأغنانا الله فأن تزوجونا فالحمد لله وأن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله فزوجوهما .
ثم إن بلالا رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له : " ما هذه الجفوة يا بلال أما ان لك أن تزورني يا بلال ؟ " فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه وأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما فقالا له يا بلال نشتهي نسمع اذانك الذي كنت تؤذنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر ففعل فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما أن قال ( الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة فلما أن قال ( أشهد أن لا إله إلا الله ) زاد تعاجيجها فلما أن قال ( أشهد أن محمدا رسول الله ) خرج العواتق من خدورهن فقالوا أبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم )

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء بعد ايراده : ( إسناده لين وهو منكر ) !

ولكنه قال في تاريخ الاسلام : ( إسناده جيد ما فيه ضعيف ، لكن إبراهيم مجهول )


قلت : وابراهيم بن سليمان المجهول هذا ؛ قد أورده الحافظ ابن عساكر في تاريخه ، فقال : ( إبرهيم بن محمد بن سليمان بن بلال ابن أبي الدرداء الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو إسحاق .
روى عن : أبيه .
روى عنه : محمد بن الفيض ) اهـ


ثم ختم ترجمته بقوله : ( قال أبو الحسن محمد بن الفيض توفي إبراهيم بن محمد بن سليمان سنة اثنتين وثلاثين ومائتين )
فالرجل لم يرو عنه الا راوٍ واحد فقط


كلام العلماء عن هذا الاثر :

أعلم وفقني الله واياك الى كل خير وفلاح ؛ ان من العجز ان تأتي بطعن العلماء وتهمل قبول الآخرين لهذا الاثر كما يفعل البعض هدانا الله واياهم ..

وفي هذا الفصل سترى كيف ان العلماء قد اعتدُّوا بهذا فجوّدوه تارة ، واستشهدوا به تارة أخرى ..

وهذا ما حاول البعض اخفاءه لحاجة في نفس يعقوب !! ..

وسترون صنيع العلماء وتعاملهم مع هذا الاثر ان شاء الله ..


أولاً : ذكر من جوّد إسنادها من أهل العلم ..
1) منهم الحافظ السبكي في شفاء السقام ( ص 39 ) ، حيث قال : ( روينا ذلك بإسناد جيد وهو نص في الباب ..... )

ثم ذكر الاثر من تاريخ ابن عساكر ، ثم قال : ( وسليمان بن بلال بن أبي الدرداء : روى عن جده وأبيه بلال ، روى عنه ابنه محمد ، وأيوب بن مدرك الحنفي ، ذكر له ابن عساكر حديثا ، ولم يذكر فيه تجريحا ( 1 ) .
وابنه محمد بن سليمان بن بلال : ذكره مسلم في الكنى ( 2 ) ، وأبو بشر الدولابي ( 3 ) ، والحاكم أبو أحمد ، وابن عساكر ( 4 ) ، كنيته أبو سليمان ( 5 ) ، قال ابن أبي حاتم ( 6 ) : سألت أبي عنه فقال : " ما بحديثه بأس " .
وابنه إبراهيم بن محمد بن سليمان أبو إسحاق: ذكره الحاكم أبو أحمد، وقال: كناه لنا محمد بن الفيض، وذكره ابن عساكر، وذكر حديثه، ثم قال: قال ابن الفيض: توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ( 7 ) .
ومحمد بن الفيض بن محمد بن الفيض أبو الحسن الغساني الدمشقي: روى عن خلائق، روى عنه جماعة منهم: أبو أحمد بن عدي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر ابن المقرئ في معجمه ، ذكره ابن زبر وابن عساكر في التاريخ ( 8 ) ، توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة ، ومولده سنة تسع عشرة ومائتين ، ومدار هذا الإسناد عليه .
فلا حاجة إلى النظر في الإسنادين اللذين رواه ابن عساكر بهما وإن كان رجالهما معروفين مشهورين.
وليس اعتمادنا في الاستدلال بهذا الحديث على رؤيا المنام فقط ، بل على فعل بلال ، وهو صحابي ، لا سيما في خلافة عمر رضي الله عنه ، والصحابة متوافرون ، ولا يخفى عنهم هذه القصة.
ومنام بلال ورؤياه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا يتمثل به الشيطان، وليس فيه ما يخالف ما ثبت في اليقظة ، فيتأكد به فعل الصحابي ) انتهى

-------

هامش :

( 1 ) انظر مختصر تاريخ دمشق لابن منظور .

( 2 ) الكنى لمسلم.

( 3 ) قال عنه الدولابي في الكنى : ( أبو سليمان محمد بن سليمان بن أبي الدرداء ، عن سعيد بن عبد العزيز )

( 4 ) انظر تاريخ دمشق لابن عساكر ( 53 / 115 برقم 6411 )

( 5 ) وذكره ابن مندة في الكنى له ، فقال : ( أبو سليمان محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء حدث عن أبيه روى عنه هشام بن عمار وكناه ) .
وذكره ايضاً الذهبي في الكنى له ، برقم ( 2849 ) ، فقال : ( محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، الدمشقي ، عنه هشام ابن عمار )
قلت : وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير ( 1 / 98 برقم 274 طبعة دار الفكر ، بتحقيق السيد هاشم الندوي ) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وهذا يعني انه محتمل الحديث كما نص على ذلك البخاري نفسه ، فيما نقله الحافظ المتقن ابن يربوع ..
وذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 43 برقم 15085 طبعة دار الفكر الطبعة الأولى ، 1395 - 1975 ، بتحقيق السيد شرف الدين أحمد ) .

( 6 ) انظر الجرح والتعديل ( 7 / 267 برقم 1460 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة الأولى ، 1271 - 1952 ) : ( محمد بن سليمان بن بلال بن ابى الدرداء أبو سليمان . روى عن امه عن جدتها عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه سليمان بن شرحبيل وهشام ابن عمار سمعت ابى يقول ذلك ، حدثنا عبد الرحمن قال وسألت ابى عنه فقال : " ما بحديثه بأس " )

( 7 ) انظر تاريخ دمشق لابن عساكر ( 7 / 136 - 137 برقم 493 ) .

( 8 ) انظر تاريخ ابن عساكر ( 55 / 96 - 97 - 98 برقم 6910 )
قلت : وقد وثقه الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 14 / 427 ) ، فقال : ( محمد بن الفيض ابن محمد بن الفياض المحدث المعمر المسند أبو الحسن الغساني الدمشقي ولد سنة تسع عشرة ومئتين وحدث عن صفوان بن صالح المؤذن وهشام بن عمار وإبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني ودحيم ومحمد بن يحيى بن حمزة والوليد بن عتبة وأحمد بن أبي الحواري وجده محمد بن فياض وأحمد بن عاصم الأنطاكي وعدة .
حدث عنه موسى بن سهل الرملي مع تقدمه وأبو عمر بن فضالة وجمح بن القاسم وأبو سليمان بن زبر ومحمد بن سليمان الربعي وأبو بكر بن المقرئ وأبو أحمد الحاكم وآخرون .
وهو صدوق إن شاء الله ما علمت فيه جرحا مات في شهر رمضان سنة خمس عشرة وثلاث مئة وكان صاحب حديث ومعرفة .... )


*****



2) الشوكاني في نيل الأوطار ( 5 / 156 طبعة إدارة الطباعة المنيرية ) ، حيث قال : ( وقد رويت زيارته صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة من الصحابة منهم بلال عن ابن عساكر بسند جيد ، وابن عمر عند مالك في الموطأ وأبو أيوب عند أحمد وأنس ذكره عياض في الشفاء وعمر عند البزار وعلي عليه السلام عند الدارقطني وغير هؤلاء ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لذلك إلا عن بلال لأنه روى أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بداريا يقول له : " ما هذه الفجوة يا بلال أما آن لك أن تزورني ؟ " .
روى ذلك ابن عساكر ) اهـ


3) محمد يوسف الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد ، في سيرة خير العباد ( 12 / 359 ) ، حيث قال : ( وروى ابن عساكر بسند جيد عن بلال أنه ... )


4) السمهودي في خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى في الباب الثاني في فضل الزيارة والمسجد النبوي ومتعلقاتهما - الفصل الاول ، حيث قال : ( ..... وروى ابن عسكر بسند جيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قصة نزول بلال بن رباح بداريا .... )


ثانياً : ذكر من استشهد بهذه القصة وأقرها من أهل العلم :


1) منهم الحافظ عبد الغني في كتابه " الكمال " في ترجمة سيدنا بلال ، حيث قال : ( لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي الا مرة واحدة في قدمة قدمها المدينة لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم طلب اليه الصحابة ذلك فأذن ولم يتم الاذان ، وقيل انه اذن لابي بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته )
انتهى النقل من شفاء السقام من الباب الثالث على هذا الرابط :


http://www.hakikatkitabevi.com/displ...&KID=11&SID=63




2) الامام النووي في تهذيب الاسماء ( 1 / 144 ) ، حيث قال : ( وكان بلال يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حياته سفرا وحضرا، وهو أول من أذن فى الإسلام.
ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الشام للجهاد، فأقام بها إلى أن توفى، وقيل: إنه أذن لأبى بكر الصديق، رضى الله عنه، مدته، وأذن لعمر، رضى الله عنه، مرة حين قدم عمر الشام، فلم ير باك أكثر من ذلك اليوم ، وأذن فى قدمة قدمها إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب ذلك منه الصحابة، فأذن ولم يتم الأذان ) انتهى

3) ابو بكر الحصني في رده على ابن تيميه في كتابه دفع شبه من شبه وتمرد ( ص 103 - 104 طبعة المكتبة الأزهرية للتراث - القاهرة ، بتحقيق محمد زاهد بن الحسن الكوثري )


4) وابن الضياء في تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام ، فقال بعد ان ذكر القصة : ( ذكره ابن عساكر في ترجمة بلال .
وليس الاعتماد في الاستدلال بهذا الحديث على رؤيا المنام فقط ، بل على فعل بلال وهو صحابي لا سيما في خلافة عمر رضي الله عنه ، والصحابة متوافرون ولا تخفى عنهم هذه القصة ، فسفر بلال في زمن صدر الصحابة لم يكن إلا للزيارة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إبراد عمر بن عبد العزيز البريد من الشام في زمن صدر التابعين فلا يقل من لا علم له: إن السفر لمجرد الزيارة ليس بسنة.
وأنشد بعضهم:

تمام الحج أن تقف المطايا ... على ليلى وتقرئها السلاما ) .


5) ابن الاثير في اسد الغابة حيث أخرجها مسنده ( 1 ) مستشهداً بها على صحبة أبو رويحة الخثعمي ، فقال : ( أَبو رويحَة ، عَبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي، أَخو بلال بَن رباح، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.
له صحبة، نزل الشام ، ولست أَقف على اسمه ونسبه ، قاله أَبو موسى عن الحاكم أَبي أَحمد. قال أَبو موسى: وقد ذكره أَبو عبد الله - يعني ابن منده - وقال: هو أَخو بلال، له صحبة.
أَخبرنا محمد بن أَبي الفتح بن الحسن الواسطي النقاش، أَخبرتنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري، أَخبرنا زاهر الشحامي، أَخبرنا أَبو سعد، أَخبرنا الحاكم أَبو أَحمد، أَخبرنا أَبو الحسن محمد بن العميص - الصحيح محمد بن الفيض - الغساني، أَنباأنا أَبو إِسحاق إِبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال، عن أُم السرداءِ عن أَبي الدرداءِ قال : لما رحل عمر بن الخطاب من فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية ، سأله بلال أن يقِره بالشام ، ففعل ذلك .
قال: وأَخي أَبو روَيحة ، آخى بيني وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فنزل دَاريا في خولان ، فأقبل هو وأَخوه إِلى حي من خولان فقالا لهم : أَتيناكم خاطبين ، قد كنا كافرين فهدانا الله عز وجل ، ومملوكين فأعتقنا عز وجل ، وفقيرين فأغنانا الله عز وجل ، فإِن تزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إِلابالله ، فزوجوهما.
أَخرجه أَبو موسى ، وقال: " أورده أَبو عبد الله في كتاب الكنى " ، وليس فيما عندنا من نسخ كتاب أَبي عبد الله في الصحابة في الكنى ترجمة لأَبي روَيحة، فإن كان أبو عبد الله صنف كتاباً في الكنى ولم نره فيمكن ..
أبو رويحة الفزعي ) انتهى ..

قلت : وهذا دليل واضح من تأييد ابن الاثير لهذه القصة التي بها يستدل على صحبة " أَبو رويحَة " ..

ومنه ايضاً نستخلص بإن ابي أحمد الحاكم شيخ الامام الحاكم قد اثبت صحبة الرجل " أبو رويحة الخثعمي " من هذه الطريق ! ، يعني من طريق " إبراهيم بن محمد بن سليمان " ! ، وهذا دليل منه على قبول روايته هذه التي ينكرها الوهابية ..


6) أبو أحمد الحاكم كما مرّ ، حيث اثبت صحبته من هذه الطريق ، حيث قال ابن الاثير : ( .... أَخو بلال بَن رباح، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.
له صحبة ، نزل الشام ، ولست أَقف على اسمه ونسبه ، قاله أَبو موسى عن الحاكم أَبي أَحمد ) اهـ .


وقبول روايته يترتب عليها صحبة الرجل عنده ! ، ورد روايته يترتب عليها رد صحبته ..

بل ان الحافظ ابن حجر في الاصابة حاول اثبات صحبته من طريق آخر فلم يجد ، فقال : ( أبو رويحة الخثعمي: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال المؤذن ويقال اسمه عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي.
وأبو رويحة لم يسند عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ثم ساق من طريق محمد بن إسحاق قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكان بلال مولى أبي بكر مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي أخوين فلما دون عمر الديوان بالشام قال لبلال: إلى من تجعل ديوانك؟ قال مع أبي رويحة لا أفارقه أبداً للأخوة المذكورة فضمه إليه وضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال فهم مع خثعم بالشام إلى اليوم.
وقال أبو أحمد الحاكم : له صحبة ولست أقف على اسمه.
قال أبو موسى: وقد ذكره أبو عبد الله بن منده في " الكنى " وليس فيما عندنا من كتابه في الصحابة ثم ساق من طريق أبي أحمد الحاكم قال حدثنا أبو الحسن محمد بن العيص الغساني حدثنا إبراهيم بن محمد بن سليمان عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال لما رجع عمر من فتح بيت المقدس وسار إلى الجابية سأله بلال أن يقره بالشام ففعل فقال وأخي أبو رويحة آخى بيننا النبي صلى الله عليه وسلم فنزل داريا في بني خولان فأقبل هو وأخوه إلى حي من خولان فقال: أتيناكم خاطبين قد كنا كافرين فهدانا الله عز وجل ومملوكين فأعتقنا الله عز وجل وفقيرين فأغنانا الله عز وجل فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله فزوجوهما.
وقال أبو عمر: روى عن أبي رويحة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعقد لي لواء وقال " اخرج فناد: من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن " .
قلت ( الحافظ ) : وهذا تقدم في ترجمة ربيعة بن السكن وفرق أبو موسى بين الفزعي والخثعمي وتعقبه ابن الأثير بأن الفزع بطن من خثعم وهو الفزع بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو خثعم وفاته أن الأول اسمه ربيعة بن السكن وأخو بلال اسمه عبد الله بن عبد الرحمن وقد ذكرت في ترجمته ما يدل على أنه غير من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال. وقد أورد ابن عساكر حديث الفزعي في ترجمة الخثعمي فكأنهما عنده واحد. والله أعلم ) انتهى .

فنستفيد من هذا الكلام الذي مر : ان ابو أحمد الحاكم شيخ الامام الحاكم قد اثبت صحبة الرجل " أبو رويحة الخثعمي " من هذه الطريق ! ، يعني من طريق " إبراهيم بن محمد بن سليمان " ! ، وهذا دليل منه على قبول روايته هذه التي ينكرها الوهابية ..

وكذلك فعل ابن الاثير ! ، حيث اثبت صحبة " أبو رويحة الخثعمي " من طريق " إبراهيم بن محمد بن سليمان " ..

وهذا منهما تأيداً لهذه الرواية ..


فتنبه لهذا !!

قلت : وقال الذهبي في تاريخ الاسلام في ترجمة " إبراهيم بن محمد بن سليمان الشامي " : ( مجهول ، لم يروِ عنه غير محمد بن الفيض الغسّاني ، وذكر أنه توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
قال أبو أحمد الحاكم : نا ابن الفيض، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلاد بن أبي الدرداء: حدثني أبي، عن أبيه سليمان، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال لما دخل عمر الشام سأله بلال أن يقره به، ففعل ونزل دارياً. ثم إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ " أما آن لك أن تزورني، فانتبه حزيناً وركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه. فأقبل الحسن والحسين، فضمهما وقبلهما، فقالا: نشتهي أن نسمع أذانك. ففعل، وعلا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة. فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازدادت رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله. خرج العواتق من خدورهن، وقبل: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما رُؤي يوم أكثر باكياً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم ) .

ثم قال الذهبي : ( إسناده جيد ما فيه ضعيف ، لكن إبراهيم مجهول )



وأما قول الحافظ في لسان الميزان عن هذه القصة في ترجمة " إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء " : ( ... وهي قصة بينة الوضع ) !

فكلام غريب ! ..

فكيف يحكم على هذه القصة بالوضع وليس في اسنادها وضاع ؟؟

ولو انه انكر متنها لكان الاجدر ان يقول : ( وهي قصة منكرة ) ..

واما الحكم عليها بالوضع فليس بسديد ويخالف قواعد المصطلح ..

وأظن أن هذا سبق قلم من الحافظ ليس الا ..

فثبت ولله الحمد ان " إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء " قد قبل أهل العلم روايته هذه في كتبهم ، لانها مرتبطه بإثبات صحبة " أبو رويحة الخثعمي " ، ونفيها يوقعهم في حرج من هذا كما حدث للحافظ في الاصابة حيث لم يتكلم عن هذا الاسناد كما فعل في اللسان ، لان الامر هنا مختلف تماماً ..


وبهذا فقد أحسن العلماء عندما جوّدوا اسنادها كما فعل : الحافظ السبكي ، الشوكاني ، السمهودي ، ومحمد يوسف الصالحي .

أو اللذين قبلوها كما فعل : ابو أحمد الحاكم ، وابن الاثير ، والامام النووي ، وعبد الغني المقدسي ، وابو بكر الحصني ، وابن الضياء .

فرحم الله جميع موتى المسلمين ، ورضي الله عن هؤلاء الائمة الاعلام جميعاً ..



تنبيه :

يحاول البعض اعلال الرواية بـ (محمد بن سليمان بن بلال ) ! .

وهذا ليس بسديد ..

فقد اغتروا بقول ابن عبد الهادي عنه في الصارم المنكي ( ص 320 ) : ( رجل غير معروف ، بل هو مجهول الحال قليل الرواية، لم يشتهر بحمل العلم ونقله ، ولم يوثقه أحد من الأئمة فيما علمناه ، ولم يذكر له البخاري ترجمة في كتابه، وكذا ابن أبي حاتم، ولا يعرف له سماع من أم الدرداء ) اهـ

وهذا تقصير فاضح من ابن عبد الهادي رحمه الله ..

فالرجل قد وثقه ابو حاتم الرازي في الجرح والتعديل ، فقال فيه : ( ما بحديثه بأس ) اهـ ( 2 )

وبهذا فقد خرّ السقف على القوم ولم تبقى لهم حجة في هذا ..

فرحم الله أمرىء عرف قدر نفسه ..



وهذا آخر ما تيسر لنا في الحديث عن هذا الاثر ، والله ولي التوفيق ..

فإن أصبت فمن الله وحده ، وان أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ..



وكتبه الفقير الى مولاه الجليل محمد اليافعي سامحه الله ..
وتم الانتهاء منه في الأحد 4 من شهر ربيع الأول 1430 لهجرة سيد المرسلين ، وخير خلق الله أجمعين ،
-----

هامش :

1 ) وقد ذكرها ايضاً ابن الاثير في أسد الغابة ( 1 / 244 - 245 ) بلاسند ترجمة بلال مستشهداً بها ولم يعلق عليها ، فقال : ( ثم إن بلالاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يقول‏:‏ ‏"‏ما هذه الجفوة يا بلال‏؟‏ ما آن لك أن تزورنا‏"‏ فانتبه حيزناً، فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يقبلهما ويضمهما، فقالا له‏:‏ نشتهي أن تؤذن في السحر، فعلا سطح المسجد، فلما قال‏:‏ ‏"‏الله أكبر، الله أكبر‏"‏ ارتجت المدينة، فلما قال‏:‏ ‏"‏أشهد أن لا إله إلا الله‏"‏ زادت رجتها، فلما قال‏:‏ ‏"‏أشهد أن محمداً رسول الله‏"‏ خرج النساء من خدورهن فما رئي يوم أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم‏. ) اهـ


( 2 ) انظر الجرح والتعديل ( 7 / 267 برقم 1460 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة الأولى ، 1271 - 1952 ) : ( محمد بن سليمان بن بلال بن ابى الدرداء أبو سليمان . روى عن امه عن جدتها عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه سليمان بن شرحبيل وهشام ابن عمار سمعت ابى يقول ذلك ، حدثنا عبد الرحمن قال وسألت ابى عنه فقال : " ما بحديثه بأس " )

وذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 43 برقم 15085 طبعة دار الفكر الطبعة الأولى ، 1395 - 1975 ، بتحقيق السيد شرف الدين أحمد ) .

وترجم له البخاري في التاريخ الكبير ( 1 / 98 برقم 274 طبعة دار الفكر ، بتحقيق السيد هاشم الندوي ) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وهذا يعني انه محتمل الحديث عنده كما نص على ذلك البخاري نفسه ، فيما نقله الحافظ المتقن ابن يربوع ..


وقد ترجم له الحافظ ابن عساكر في تاريخه ( 53 / 115 - 116 - 117 برقم 6411 ) ، فقال : ( محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس أبو سليمان الأنصاري من أهل دمشق روى عن أبيه سليمان وأمه وإبراهيم بن صالح القرشي وسعيد بن عبد العزيز روى عنه عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وأبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي وابنه إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل وأبو محمد هبة الله بن سهل بن عمر قالا أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن أنبأنا الحاكم أبو أحمد الحافظ أنبأنا محمد بن محمد ابن سليمان حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن سليمان بن أبي الدرداء حدثنا إبراهيم ابن صالح القرشي عن أبيه أن ابن عباس أوصى رجلا فقال لا تتكلم بما لا يعنيك فإن ذلك فضل ولست آمن فيه عليك الوزر ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعا فرب متكلم في غير موضعه قد عنت لا تمارين حليما ولا سفيها فإن الحليم يغلبك وإن السفيه يؤذيك واذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب إذا تواريت عنه ودعه مما يحب أن يدعك منه فإن ذلك العدل واعمل عمل امرئ يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام أخبرناه أبو الحسن الفرضي وعلي بن زيد قالا أنبأنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم زاد الفرضي وعبد الله بن عبد الرزاق قالا أنبأنا أبو الحسن بن عوف أنبأنا أبو علي بن منير أنبأنا أبو بكر بن خريم حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن سليمان فذكر نحوه وقال إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك إذا تواريت عنه أنبأنا أبو الغنائم بن النرسي ثم حدثنا أبو الفضل أنبأنا أبو الحسين بن الطيوري وأبو الغنائم واللفظ له قالا أنبأنا أبو أحمد الواسطي أنبأنا أبو بكر الشيرازي أنبأنا أبو الحسن المقرئ أنبأنا البخاري ( انظر التاريخ الكبير ( 1 / 98 برقم 274 طبعة دار الفكر ، بتحقيق السيد هاشم الندوي ) قال : محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أبو سليمان الأنصاري سمع أمه عن جدتها قالت قالوا يا رسول الله هل يضر الغبط قال نعم كما يضر الشجرة الخبط قاله لي هشام بن عمار أنبأنا أبو الحسين القاضي وأبو عبد الله الأديب قالا أنبأنا عبد الرحمن بن محمد أنبأنا حمد إجازة ح قال وأنبأنا أبو طاهر أنبأنا علي قالا أنبأنا ابن أبي حاتم ( انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 7 / 267 برقم 1460 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة الأولى ، 1271 - 1952 ) قال محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أبو سليمان روى عن أمه عن جدتها عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه سليمان بن شرحبيل وهشام بن عمار سمعت أبي يقول ذلك سألت أبي عنه فقال : " ما بحديثه بأس " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن العباس أنبأنا أحمد بن منصور بن خلف أنبأنا أبو سعيد بن حمدون أنبأنا مكي بن عبدان قال سمعت مسلما يقول أبو سليمان محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء سمع أمه روى عن هشام بن عمار قرأت على أبي الفضل بن ناصر عن جعفر بن يحيى أنبأنا أبو نصر الوائلي أنبأنا الخصيب بن عبد الله أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن أخبرني أبي قال أبو سليمان محمد بن سليمان بن أبي الدرداء قرأنا على أبي الفضل أيضا عن أبي طاهر بن أبي الصقر أنبأنا هبة الله بن إبراهيم بن عمر أنبأنا أبو بكر المهندس حدثنا أبو بشر الدولابي قال أبو سليمان محمد بن سليمان بن أبي الدرداء عن سعيد بن عبد العزيز أنبأنا أبو جعفر محمد بن أبي علي أنبأنا أبو بكر الصفار أنبأنا أحمد بن علي بن منجوية أنبأنا أبو أحمد الحاكم قال أبو سليمان محمد بن سلميان بن بلال بن أبي الدرداء الأنصاري سمع أمه عن جدتها وأبي الدرداء حديثه في الشاميين روى عنه هشام بن عمار )




لتعصب الممقوت وآثاره على العمل الإسلامي



ظهرت القضية الإسلامية المباركة بعد أن تهددت شخصية الشعوب الإسلامية،
وبقدر هذه النعمة التي يستبشر بها دعاة الإسلام اليوم ورجاله في كل مكان ظهرت أمراض خطيرة بين أبناء هذه الصحوة المباركة تأكل من جسدها الناهض، وتهشم كيانها الصاعد؛ فبقدر ما تتقدم إلى الأمام تتقهقر إلى الخلف بفعل هذه الأمراض القاتلة، ومن أجل ذلك اهتم ثلة من علماء الأمة ومن أخلص دعاتها بترشيد مسيرة العمل الإسلامي في الدعوة إلى الله - تعالى - على بصيرة، وتقويم ونقد الحركات الإسلامية العاملة على الساحة،
.
ومن أخطر الأمراض التي تهدد وجود القضية الإسلامية وتعوق مسيرتها: مرض التعصب الممقوت(1) 
الذي يمكن ان يجعل الامة فرق متطاحنة . وهو ما يعني في المحصلة الأخيرة تأخير امتداد صحوة الإسلام، وتزهيد الناس في الالتزام، فيكون بذلك الحالقة التي تحلق العلاقات والأواصر بين المسلمين العاملين في هذا السبيل المبارك، وربما تحلق الدين. ويقول العلاَّمة الشوكاني ـ في حسرة ـ مبيناً خطره في مقام من المقامات: " هاهنا تُسكب العبرات، ويُناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا لسُنَّة ولا لقرآن، ولا لبيان من الله ولا لبرهان، بل لمَّا غلت مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين لقنهم إلزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء والسراب بالقِيعة، فيا لله وللمسلمين من هذه الفاقرة التي هي من أعظم فواقر الدين، والرزية التي ما رزئ بمثلها سبيل المؤمنين"(3).
واعتبره الشوكاني رزية وفاقرة على اعتبار أنه مفهوم يشتمل على بعض العناصر السلبية والخطيرة؛ ومنها:
1 - أنه حكم يفتقد للموضوعية، ويتسم بالتعميم أو التسطيح المخل.
2 - أنه يقوم على أساس مجموعة من القوالب النمطية والتصنيفات الجاهزة والانطلاق من خلفية معينة.
3 - ينشأ في ظل سياق ثقافي واجتماعي تغيب فيه الشورى والحرية، ويدفع للمجاراة بدرجة أو بأخرى.
وهذا ما يستوجب وقفة متأنية أمام هذا المرض الخطير لنرصد مظاهره، ونبين آثاره وأسبابه، ونرسم الطريق لعلاجه، وما يلي من مظاهر وآثار وأسباب وعلاج ليس هو الكلمة النهائية، بل ربما رأى غيري أن يضيف إليها أكثر منها.

أولاً: المظاهـر:
وللتعصب الممقوت الذي ابتُلي به بعض العاملين في ساحة العمل الإسلامي مظاهر متعددة، ويعتبر رصدها نتاج خبرة نتجت عن مشاهدة هذا الواقع ومعايشته فترة غير قليلة من الزمان ـ وربما كان هناك من المظاهر أكثر من هذا عند التأمل والتدبرـ ومنها:
1 - أن الذي يعمل في دعوة أو مع حزب أو جماعة يرى أنه هو الذي على الحق، وأن غيره على الباطل، مهما كان بينهم من كثرة في نقاط الاتفاق، ومهما كان بينهم من قلة في نقاط الاختلاف. قال ابن القيم في قوله - تعالى -: ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53]: "جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون، ورؤوس أموالهم التي بها يتاجرون"(4).
2 - أن الذي يسلك سبيل الدعوة الفردية مع آحاد المسلمين يفاجئه أصحاب اتجاهات أخرى يخطفون منه هذا المدعو، ويتقاتلون عليه بحجة أن الطرف الآخر 
سوف يضله ويغويه بما عليه هو من غواية وضلال، وتكون النتيجة أن يترك المدعو هذا الميدان تماماً؛ لما يراه من فرقة واختلاف بين هؤلاء الدعاة.
3 - تحويل المساجد ـ بيوت التوحيد والعبادة والتجمع والتصافي والتوحُّد بين المسلمين ـ إلى ساحات شجار وتراشق بين فصائل الصحوة المختلفة بسبب قضايا فرعية خلافية، لم ينته الخلاف فيها سابقاً، ولن ينتهي الخلاف فيها لاحقاً. ويصف الصنعاني مظاهر ذلك قائلاً: " لم تكن الخلافات والنزاعات بين المقلدين مقتصرة على الآراء الفقهية فقط، بل بلغ بهم التعصب إلى الحروب الطاحنة فيما بينهم، يروي لنا التاريخ الشيء الكثير من ذلك". قال ياقوت الحموي وهو بصدد ذكر مدينة أصبهان: "وقد فشا الخراب في هذا الوقت وقبله في نواحيها لكثرة الفتن والتعصب بين الشافعية والحنفية والحروب المتصلة بين الحزبين؛ فكلما ظهرت طائفة نهبت محلة الأخرى وأحرقتها وخربتها، لا يأخذهم في ذلك إلٌّ ولا ذمة، ومع ذلك فقد قلَّ أن تدوم بها دولة سلطان أو يقيم بها فيصلح فاسدها، وكذلك الأمر في رساتيقها وقراها التي كل واحدة منها كالمدينة". ا. هـ. وهذا غيض من فيض مما وقع بين أتباع المذاهب الذي يندى له جبين التعصب، أعاذنا الله جميعاً من هذا الداء العضال الذي أصاب الأمة الإسلامية المتلاحمة ففرقها"(5).
4 - ومن المظاهر أيضاً أن ينتصر المسلم لجماعته أو حزبه أو دعوته أو مذهبه ومدرسته بالحق والباطل؛ فهي الحق على طول الخط حتى لو فعلت المنكرات البينات، وينتصر من غيرها دائماً حتى لو نصرت المحكمات الواضحات.
5 - إن بعض المسلمين يرى مدرسته التي ينتمي إليها مقدسة، ورجالها ملائكة معصومين، وتاريخها كله خالياً من الأخطاء مبرأً من العيوب، ولا يذكر لها إلا الحسنات والميزات حتى لو أتت أفعالاً تسببت في تأخر الإسلام وصحوته حيناً من الدهر، في حين يرى غيره من المدارس والجماعات مدخول العقيدة، سيئ المنهج، مُجرَّح الرجال، أسود التاريخ، ضيق الأفق، ضحل الفهم، متحلل الفكر، ولا يذكر لها إلا السيئات والعيوب حتى لو كان لها في انتشار الإسلام أيادٍ بيضاء، وما أحسن ما قاله العلامة الشوكاني في تفسيره عن المتعصب: " والمتعصب وإن كان بصره صحيحاً فبصيرته عمياء، وأذنه عن سماع الحق صماء، يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق غفلةً منه وجهلاً بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح، وتلقِّي ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم، وما أقل المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع؛ فإنه صار بها باب الحق مرتجّاً، وطريق الإنصاف مستوعرة، والأمر لله - سبحانه - والهداية منه"(1).
6 - أن هذا الفريق لا يعجبه علماء الفريق الآخر حتى لو صدع بالحق؛ بينما إذا تبين خطأ علمائه هو التمس لهم العذر وهوَّن من ضلالهم في القول والفتوى؛ فعلماؤه مبرؤون حتى لو ضلوا وأضلوا، وعلماء غيره مدانون حتى لو كان لهم الفضل في رفع كلمة الإسلام زمناً ما، ونسي هؤلاء وأولئك هيبة العلماء، وأن القضايا العلمية الكبيرة لا شأن للصغار بها، وأن لحوم العلماء مسمومة، وهذا المظهر للأسف ربما وجدناه عند بعض العلماء أصحاب الاتجاهات والانتماءات المختلفة.
7 - ومن المظاهر أيضاً أنه ربما تعاون أبناء فصيل معين من الدعاة وتحالفوا مع عدو خارجي من أعداء الإسلام لضرب فصيل آخر مسلم عامل في الساحة، ليعملوا سوياً على إذهاب ريحه، وإنهاء وجوده؛ حتى يخلو لهم الجو، وتفرغ لهم الساحة؛ ليمارسوا دعوتهم في جوٍّ آمن من التراشق والمضايقات، خالٍ من التنافس والمشاحنات. نسأل الله العافية.
ثانياً: الآثار:ومن البدهي أن يكون لهذه المظاهر آثار مدمرة على كل المستويات سواء على مستوى الدعوة الخاص، أو مستوى الإسلام العام، ومن أبرز هذه الآثار ما يلي:
1 - تأخر وتخلف الحركات بهذا التعصب؛ لأنه ـ وقد رآها أصحابها معصومة فوق النقد والمراجعة ـ سوف يقفز الزمان عليها ويتخطاها بأزمان ليرتاد آفاقاً غيرها بما مات فيها من نقد ذاتي يحيي الحركات والدعوات، ويقوي ضعفها ويشد على أيديها.
2 - الكراهية والتدابر والتحاسد والتباغض الذي سيسري بين أبناء الدعوة الإسلامية من جراء هذه المراشقات، ونتيجة تلك الاختلافات الفرعية، وهو أمر يوقِع في مخالفة مع نصوص متفق عليها مثل ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إيـاكـم والظـن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)) (2).
3 - إيقاع الوهن والتفكك في جسد الدعوة الإسلامية، وربما تعدى ذلك إلى عموم المسلمين، وهو ما يوقع أيضاً في مخالفة نصوص صريحة متفق عليها ليس أبرزها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (3).
4 - تزهيد الناس في الالتزام بالإسلام، أو مع هذه المدارس والمذاهب للعمل للإسلام؛ لما يرونه من تراشق وتشاحن، هذا يحارب ذاك وينشر عنه الافتراءات والأكاذيب ويكيد له، وذاك يتهم هذا ويتمنى له الخطأ ويُسمِّع به، فيقف الجمهور المسلم في حيرة: أيهم على صواب، وأيهم على خطأ، ولماذا كل هذا، وفي صالح من؟ وربما تعدى هذا الزهد إلى الإسلام ذاته فيتشكك الناس في الإسلام؛ فهل منهج الإسلام السمح وشريعته الغراء وتشريعه الوسطي يفرِّخ هذا التعادي والتحاقد، ويولِّد هذا التنافر والتباغض؟
5 - الانكفاء على قضايا الداخل الذاتية الصغرى، وإهمال القضايا المصيرية الكبرى التي تتعلق بواقع الأمة ومستقبلها؛ لأن فصائل الصحوة مشغولة بكيفية انتصار بعضها على بعض، ناسين أو متناسين الأخطار المحدقة بالأمة التي توجب عليهم أن يتكاتفوا لينتصروا عليها، وما أكثرها.
6 - طمع الأمم في أمة الإسلام؛ لأنها أصبحت أمة ضعيفة الجسد مترهلة البنيان ليست جسداً قوياً، ولا بنياناً مرصوصاً، ومن ثَم فالدائرة تدور عليها؛ لأن السنن الإلهية الجارية لا تحابي أحداً؛ فالأمة القوية التي تأخذ بأسباب القوة والنصر والوحدة ينصرها الله ولو كانت كافرة فاجرة، والأمة الضعيفة التي تهمل أسباب القوة والنصر يخذلها الله ولو كانت مؤمنة تقية.
7 - ومن الآثار الخطيرة التي تدخل على آخرة المسلم بالخراب والبوار هو كسب السيئات التي يجنيها المسلم من وقوعه في عرض أخيه الذي ينتمي إلى غير مذهبه وجماعته بالهمز واللمز، والغيبة والنميمة، والسخرية والاستهزاء، وأكله للحوم العلماء في الطوائف الأخرى، وغير ذلك من أبواب السيئات.
ثالثاً: الأسبـاب:
لا شك أن خلف كل دخان ناراً، ولكل داء دواء؛ فإذا تم تشخيص الداء والوقوف على أسبابه سهل علينا وصف الدواء، فوضع اليد على الأسباب هي نصف طريق العلاج كما يقولون، ومن أهم أسباب هذا التعصب الممقوت ما يلي:
1 - اتبـاع الهوى والإعـجاب بالرأي: وهو من أسباب التعصب الـقويـة؛ فـمن لم يتبـع الكـتاب والسـنة، وأُعـجب برأيـه قـال - تعالىـ: ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان: 43 - 44].
وروى التـرمذي بسنده عن أبي أمية الشعباني قال: " أتيت أبا ثعـلبة الخشـني، فقـلت له: كيـف تصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: 105] قال: أما واللهِ لقد سألتَ عنها خبيراً، سألتُ عنها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر؛ حتى إذا رأيتَ شُحّاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنياً مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام؛ فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمـلكم)). قال عبـد الله بـن المبـارك: وزادنـي غـير عتـبة قيل: يا رسول الله! أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: (( بل أجر خمسين منكم)) (1).
فطبيعة متبع هواه والمعجب برأيه إذا علم أن رأيه خطأ ألاَّ يتنازل عنه ولا يعترف بالحق بل يتمسك بخطئه، ويزداد عناداً وإصراراً عليه، وإذا علم أن رأي غيره صواب فلا يعترف به حتى لو كان واضحاً وضوح الصبح لذي عينين، وقديماً قال الشاعر:
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى *** ومنهج الحق له واضحُ
2 - تحقيق مآرب شخصية ومصالح دنيوية، وهذا السبب يقتصر على الذين يلتحقون بالحركات العاملة لتحقيق مآرب شخصية، ومصالح نفعية، وأهداف دنيوية، كالطبيب الذي يريد أن يوسع دائرة مرضاه، والمحامي الذي يريد أن يكسب ثقة الناس حتى يتشاكوا إليه، والعالم الذي يريد أن يوسع دائرة شهرته ليجد لإنتاجه وكتبه وخطبه مريدين وقراءً ومستمعين، وهكذا...فهذا الشخص لن ينظر إلى الحق والباطل، ولا إلى الخطأ والصواب، إنما هو ينصر الاتجاه الذي انتمى إليه ويتعصب له من أجل تحقيق مآربه ومصالحه بصرف النظر عن قضية الحق والباطل، وبعيداً عن تصحيح المسار والنقد الذاتي والتقويم النفسي؛ لأن هذا ليس هو أكبر همه، وربما أبدى اهتمامه بذلك أحياناً ليبين مدى تفانيه في العمل، وإرادته الخير لما انتمى إليه من مذهب، ولكن هذا كله لا يلبث أن يظهر مع العقبات، وسرعان ما يزول مع الابتلاءات التي يمتحن بها أهل الدعوات: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) [الرعد: 17].
3 - الجهل بمذاهب الفقهاء، وهذه طامة كبرى، ومصيبة عظمى وسبب أكبر من أسباب التعصب الممقوت، وهو سبب رئيس من أسباب التناحر والتباغض والتنافر والتدابر بين أبناء الصحوة الإسلامية؛ إذ إن عدم الاطلاع على مذاهب الفقهاء وآرائهم في مـسألةٍ ما يـؤدي إلى التـعصب لمـذهـب بعينه؛ لأنه لا يعلم سواه، ومن ثَم ينظر لمن يخالفه على أنه جاهلٌ لا علم له، وعلى أنه مخالف للسنة والهدي النبوي، في حين أنه لو اطلع على المـذاهـب الأخرى لعـلم أنها قـضية خلافـية يسـعهم فيها ما وسع الأئمة الكبار من قبلهم، ولعل هذا النوع من الجهل هو أهم أسبـاب المشـاحنات والمشـادات في المسـاجد التـي تمتلئ عندنا ـ نحن المسلمين ـ بالاختلاف نتيجة الجهل المطبق بالأحكام الفقهية الفرعية العملية.
4 - اتبـاع الأشـخاص والهيئات، وعدم الإذعان للحق بدليله؛ فمن يتبع حزباً أو جماعة أو دعوة أو مؤسسة ويرى أنها لا تخطئ في العمل، أو تضل في الرأي يتعصب لها تعصباً شديـداً، ويحمـل حمـلة لا هـوادة فيـها علـى مـن يحاول نقدها أو تصحيح وتقـويم مـسارها حتى لو كان من أبنائها، وكذلك إذا وثق في علم عالم، ورجاحة عقله، وفقهه للنص الشرعي وإدراكـه للواقـع العمـلي؛ فإنه يـرى أنـه لا ينـطق عن الهوى، ولا يفتي إلا بالحق، ولا يقول إلا الصدق، لا يقع منه زلل في القـول أو العـمل، ولا يصـدر عنه خطأ في الفتوى أو الحكم، ولا يُـظن به خطل في الرأي أو التصور، ومن ثم لا يجري عليه ما يجري على البشر، في حين أنه لم توجد ـ على امتداد التاريخ ـ هيئة أو مؤسسة أو جماعة إلا ولها أخطاؤها وإخفاقاتها، ولم ولن يوجد عالم إلا وله زلاته وكبواته، ويأبى الله إلا أن تكون العصمة له ولكتابه ورسوله.
ولهذا وصف ابن قيم الجوزية أهل العلم والعدل والقسط بكونهم: " زاهدين في التعصب للرجال، واقفين مع الحجة والاستدلال، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه، ويستقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه، إذا بدا لهم الدليل بأخذته طاروا إليه زرافات ووحداناً، وإذا دعاهم الرسول إلى أمر انتدبوا إخراج المتعصب عن زمرة العلماء إليه ولا يسألونه عما قال برهاناً"(1).
رابعاً: معـالم على طريـق العـلاج:
لم يَعُد خافياً ـ بعد ذكر المظاهر والآثار والأسباب ـ على كل ذي نظر عميق وفهم دقيق، ملامح طريق العلاج وأهم معالمه؛ فبالإضافة إلى تلافي الأسباب السابقة نحاول التعرف على نقاط العلاج، والتي من أبرزها:
1 - الفهم السليم لطبيعة العمل في فصائل الدعوة الإسلامية، وهي أن كل الفصائل والحركات ـ التي يجوز العمل من خلالها ـ مكملة لبعضها، ومتعاونة ومتضافرة فيما بينها، وليست متنافرة ولا مختلفة، الكل يبغي نصرة الإسلام، وإعلاء كلمته ورفع رايته، ومن ثَم فلا يضير أن تقوم دعوة من الدعوات أو حركة من الحركات تهتم بالعمل الخيري، وأخرى تهتم بجمع الناس في المساجد وحشدهم لفعل الخير، وأخرى تهتم بالعمل العام، وأخرى تذكِّر بقضايا الأمة الكبرى، وأخرى تهتم بالعمل الاقتـصادي أو السياسي، وهكذا... فلا تنكر هذه على تلك، ولا تنقم تلك من هذه، ؛ لأنهم فهموا أنهم متعاونون على نصرة الإسلام وجمع كلمة المسلمين، فلن يعيب بعضهم على بعض التقصير في جانب دون جانب.
والفهم نعمة عظيمة بها تُحل كثير من المشكلات، وتزال العـديد مـن العقبات، فلا غرو أن امتن الله بها على سليمان حين قـال: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [الأنبياء: 79]، وكان من وصية عمر بن الخـطاب لأبي مـوسـى الأشـعـري - رضي الله عنهما -: " الفهمَ الفهمَ فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة".
وما أحسن ما قاله ابن القيم - رحمه الله - تحت عنوان: " الفـهم الصـحيح نعـمة"، قال: " صحة الفهم وحسن القصد من أعـظم نعـم الله التـي أنعـم بها علـى عبـده، بل ما أُعطي عبد عطـاء بعـد الإسـلام أفضـل ولا أجـل منـهما، بل هـما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغـضوب عليهـم الذين فـسد قصـدهم، وطريـق الضـالين الذيـن فسـدت فهومـهم، ويصيـر من المنـعم عليهم الذين حسـنت أفهـامهم وقصـودهـم، وهم أهل الصراط المستقيم الذيـن أُمِرْنا أن نسـأل الله أن يهـديـنا صـراطـهم في كل صـلاة، وصـحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغـي والرشـاد، ويمـده حسـن القـصـد وتحـري الحـق وتـقـوى الرب في السـر والعـلانيـة، ويقـطع مادتَه اتباعُ الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى" (2). مـع التـسليم بوجـوب التـزام جمـيع أبـناء الصـحوة ـ مع اهتـمام كل فصيـل بعـمل معـين أو جانب ما ـ أصولَ الإسلام وفرائضه إلا لضرورة، والتفريق بين الأصول والفروع، والفرائض والنوافل، وفقه النسب بينها، واتفاقهم على معنى ومفهوم ذلك كله.
2 - التجرد في الوصول إلى الحق والعمل به، وإخلاص النية وضبطها ما أمكن، وهو ما سوف يقطع الطريق على الشيطان وأهواء النفس أن تضل أو أن تطغى، ما دام بغيتها الوصول إلى الحق بدليله، والانغماس في العمل بعيداً عن النقاشات الحادة والجدال الذي لا يأتي بخير.
وما دام العاملون يتميزون بالإخلاص والتجرد في طلب الحـق فلن يتـردد أحـدهم في اتبـاعه متى ظهر حتى لو كان على لسـان غيـره من الاتجاهات أو الحركات، ولعلنا نتذكر كلام الإمام أبي حنيفة في هذا الصدد؛ إذ كان يقول عند الإفتاء: " هـذا رأي النعـمان بن ثابت ـ يعني نفسه ـ وهو أحسن ما قدرت عليه؛ فمن جاء بأحسن منه فهو أوْلى بالصواب"، ونقل عن الإمام الشافعي أنه قال: " ما ناظرت أحداً إلا قلت: اللهم أجْـرِ الحـق على قلبه ولـسانه؛ فإن كـان الحق معي اتبعني، وإن كان الحق معه اتبعته"(3). وكان يقول: " ما ناظرت أحداً قـط فأحـببت أن يخطئ"، وكان عبد الله بن أحمد بن حنبل يحكي عـن أبيـه أنه قال: قال الشافعي: " أنتم أعلم بالحديث والرجال مني؛ فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون: كوفياً أو بصرياً أو شامياً حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً" (1).
3 - ضـرورة الاطـلاع على الخلاف الفقهي، وهي واحدة من أهم معالم طريق العلاج لهذه الآفة الخطيرة؛ فما أكثر المصـارعات التـي تحـدث وسبـبها أن أحد الأطـراف أو أغـلبها لا يكـون عـالماً بأن القـضية خـلافـية. وعبارة: «ضـرورة الاطـلاع على الخلاف الفقهي» مقصودة عمداً؛ لأنها فعلاً ضرورة من الضرورات، والتي بدون الاستجابة لها لن يكون هـناك كبيـر اتفاق بين أبنـاء الدعوة، وسيـظل العـراك مشتـعلاً، والشجار محتدماً، ووجه الصواب خافياً ما لم يتفقه العامـلون في دينهـم، ويتعـمقوا في مصـادر الشريعة ومواردها، وما لم يطلعوا على الخلاف الفقهي من مصادره المعـتبرة بحججه وبراهينه، مثل كتب الفقه المقارن وكتب الأصول والقواعد، وهذا ما جعل رجلاً مثل ابن القيم يقول: " ومـن له قـدم راسخ في الشريعة ومعرفة بمصادرها ومواردها، وكان الإنصاف أحب إليه من التعصب والهوى، والعلم والحجة آثر عنده من التقليد لم يكد يخفى عليه وجه الصواب" (2).4 ـ أهمية الاحتـرام المتبـادل ومـراعــاة أدب الخـلاف، وهـو مَعْلَم ينبـثق عـن سابقه مبـاشـرة، ويـترتـب عـليـه؛ فإذا تم الاطلاع على الخلاف الفقهي وجب الاطلاع على أدب الخلاف، وسيرة الفقهاء القدماء والمعاصرين الذين اختلفوا في الرأي مع بعضهم، وسيرة السلف الصالح، بل سيرة الصحابة أنفسهم، ولم يكن ذلك سبباً ـ أبداً ـ في إضعاف الحب بينهم، أو النيل من تقدير بعضهم لبعض، ولعلنا نحفظ العبارة التي رويت عن الأئمة الأربعة تقريباً: " رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيـري خطأ يحتمل الصواب"، ومعنى " رأيي صواب": أي لذلك قلت به وإلا فلا، ما دام يغلب عليه الظن بالصواب، ومـعنى " ورأي غيري خطـأ"، أي وإلا لقلـت به ما دام يغـلب علـيه الظـن بالخـطأ؛ لأنـه ليـس هنـاك قطـع بأفضـلية أحد على أحد، وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ولا أحد في الإسلام يجيب المسلمين كلهم بجواب عام أن فلاناً أفضل من فلان فيقبل منه هذا الجواب؛ لأنه من المعلوم أن كل طائفة ترجح متبوعها، فلا تقبل جواب من يجيب بما يخالفها فيه، كما أن من يرجح قولاً أو عملاً لا يقبل قول من يفتي بخلاف ذلك، لكن إن كان الرجل مقلداً فليكن مقلداً لمن يتـرجح عـنده أنـه أوْلى بالحق؛ فإن كان مجتهداً اجتهد واتبع ما يتـرجح عنـده أنه الحـق، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد قال - تعالى -: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، لكن عليه أن لا يتبع هواه، ولا يتكلم بغير علم، قال - تعالى -: هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ [آل عمران: 66]، وقال - تعالى -: يُجَادِلُونَكَ فِي الْـحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ [الأنفال: 6]، وما من إمام إلا له مسائل يترجح فيها قوله على قول غيره، ولا يَعرف هذا التفاضل إلا من خاض في تفاصيل العلم(3).
فانظر كيف كان عند كل واحد منهم احتمال بخطأ رأيه، وصواب رأي غيره، وهذا فيه من رحابة الصدر وسعة الأفق ما يمحو التعصب، ويهيئ المسلم لاتباع الحق والانصياع له متى ظهر بدليله، وهو من عظيم أخلاق العلماء وطلاب العلم، فضلاً عن العاملين في ساحة العمل الإسلامي.
وختاماً: تجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من أبناء الدعوة الإسلامية في مختلف فصائلها يدركون أبعاد العمل الإسلامي ومراميه، فاقهين للقضايا الخلافية مطلعين على آراء الفقهاء، فاهمين طبيعة العمل ضمن فصائل الصحوة المتعددة، متخلقين بأخلاق الإسلام من آداب للخلاف، واحترام لآراء الغير، واستعداد لقبول الرأي الآخر متى كان حقاً.
ولما كان للعملة دائماً وجهها الآخر، وكان التغلب على التعصب الممقوت وآثاره هو مسؤولية جميع التيارات داخل أبناء الدعوة الإسلامية؛ فإن العلماء والفقهاء والدعاة المنتمين لهذه التيارات ـ وغير المنتمين بوجه ما ـ مدعوون لأنْ يؤمنوا بأن حماية الدعوة وتحقيق أهدافها رهن بتفعيل القيم الإسلامية سالفة الذكر، إضافة إلى قيم الشورى والعمل الجماعي، وأن يقتنعوا بأن تضمينها في المناهج التربوية يعد من الوسائل الناجعة في مغالبة التخلف والجمود والظلم لأمتنا.
----------------------------------------
(1) أركز هنا على وصف التعصب بـ «الممقوت»؛ لأن هناك تعصباً محموداً، وهو التعصب للعقيدة وأصول الإسلام وكلياته الكبرى ومقاصده العظمى، أما التعصب المذموم أو الممقوت فهو ما نحن بصدد الحديث عنه.
(2) قواعد الفقه للبركتي: 231، طبع دار الصدف ببلشرز. كراتشي. طبعة أولى، 1407هـ.
(3) السيل الجرار: 4/ 584، دار الكتب العلمية. بيروت. طبعة أولى، 1405هـ.
(4) إعلام الموقعين: 1/7، دار الجيل. بيروت، 1973م.
(5) إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد: 22- 23، الدار السلفية. الكويت. طبعة أولى 1405هـ، وانظر معجم البلدان للحموي: 1/209، دار الفكر. بيروت. بدون تاريخ.
(1) فتح القدير: 2/243، دار الفكر. بيروت. بدون تاريخ.
(2) صحيح البخاري: كتاب الأدب. باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله ـ - تعالى -ـ ومن شر حاسد إذا حسد. وصحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، واللفظ له.
(3) صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم. وصحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب. باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، واللفظ له.
(1) سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن عن رسول الله، باب ومن سورة المائدة، وقال: «هذا حديث حسن غريب».
(1) إعلام الموقعين، 1/6 ـ 7.
(2) إعلام الموقعين: 1/87.
(3) إرشاد النقاد: 14.
(1) إيقاظ همم أولي الأبصار، لصالح بن نوح العمري: 102، دار المعرفة. بيروت، 1398هـ.
(2) إعلام الموقعين: 4/32.
(3) مجموع الفتاوى:20/293.