الوسطية الاسلامية
إننا نعيش في زمن تعمل فيه الدعايات والشعارات عملها الكبيربين فرق وجماعات اسلامية متناحرة ومختلفة يكفر بعضها بعض ويفسق بعضها البعض واصبحت الامة الاسلامية امة ممزقة ضعيفة بعد ان كانت امة قوية يخشاها القاصى والدانى ويدعى كل فريق وحماعة انه هو على الحق وغيره ضالا مضلا
وكلا يدعى ان نهجه هو النهج الوسط وانه يدعو الى وسطية الاسلام السمحة
ومن أشهر تلك المصطلحات التي تسوق اليوم، ويدعيها من ليس من أهلها؛ مصطلح "الوسطية"، فالعلماني الملحد يتشدق بالوسطية، والشيعى الذى ييسب الصحابة يدعو الى الوسطية والوهابى
التمكفرى مستبيح لأنفس مخالفيه المعصومة، ويأتي وراء ذلك من يعد الوسطية الغلو في التكفير، واستباحة الأنفس والدماء المعصومة، وتبني العنف والإفساد طريقاً للتغيير، وإقامة للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام والصوفى الشاطح يدعى انه ينادى الى الوسطية.
كل هذه الفرق وغيرها تمجد الوسطية
الذي قرره الكتاب والسنة، وسار عليه الصحابة، والقرون المفضلة، والأئمة المتبوعون؛ أن ذلك غالٍ خارجٌ عن الوسطية.
إن المسلم البسيط الباحث عن الحق، المحب لما يحبه الله ورسوله، الساعي لما فيه نجاته في الدنيا من الضلال، وفي الآخرة من النكال؛ يقف حائراً مبهوتاً لا يدري أين الحقيقة،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعــش منكم فسيرى اخـتـلافـا كثيراً، فعـليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة)(رواه أبو داود:4607، والترمذي:2676، وقال: حديث حسن صحيح).
1).
والصحابة الذين هم الأمة الوسط بدون نزاع من أحد ممن ينتسب إلى العلم؛ لهم منهجٌ واضح، وعقائد ثابتة معروفة، وعبادات تعلموها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسلوك وأخلاق، فمن نهج منهجهم، واعتقد عقائدهم كما ثبت عنهم؛ لم يزد عليها ولم ينقص منها، ولم ينحرف عنها، ولم يستحسن خلافها، أو يتأولها بالتأويلات التي لا دليل عليها، وتعبد الله بعباداتهم، ولم يخترع لنفسه عبادات وشعائر لم يتعبدوا بها، ولم يتخذوها قربة، وتخلق بأخلاقهم، وسلك سلوكهم، وفهم مراد الله، ومراد رسوله كما فهموا؛ فهو من أهل الوسطية، ومن أهل الاعتدال، ومن انحرف عن شيء من ذلك في منهج أو عقيدة أو عبادة أو سلوك؛ فقد خرج عن الوسطية بمقدار انحرافه، وصار إما إلى طائفة أهل الغلو، أو طائفة أهل الجفاء:
وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع
الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم)"(3).
والطائفة المنصورة فسرها الإمام أحمد وغيره بأنها أهل الحديث، فثبت بذلك كله أن الأمة الوسط في هذه الأيام من سلك مسلك الصحابة والسلف الصالح من جميع الوجوه، والوسطية هي الحق الذي بين باطلي الإفراط والتفريط، وليست الوسطية الوسط بين الحق والباطل فقد قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).
أيها الإخوة المؤمنون:
إن الوسطية الحق يجمع أصولها وفروعها ويضبط مفاهيمها ومصطلحاتها ما تضمنته النصوص التالية:
- قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(الفتح:29).
- وقوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(الحشر).
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(المائدة:54).
- وحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطّاً فَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ تَلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً... إِلَى آخِرِ الآيَة) (4).
فالوسطية ما تضمنته هذه النصوص من أصول ومعاني ومفاهيم، والوسطي من فهم تلك النصوص حق فهمها، وعمل بمقتضاها.
أسأل الله أن يهدينا وجميع أمة محمد إلى ذلك، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
لقد ساغ لجميع المذاهب والمشارب والتوجهات الإسلامية وغير الإسلامية ممن يهمهم أمر الإسلام، ويخيفهم مظاهر التجديد والنهوض والصحوة التي انتشرت في مشارق الأرض ومغاربها، وبشرت بقرب تحقيق قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(الصف:9) أقول لقد ساغ لأولئك جميعاً مصطلح الوسطية، وطمع كل طرف أن يُسوقِه وفق توجهه ومراده، أو قل في بعض الأحيان وفق هواه
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق