الصوفية بين الماضى والحاضر: ســــر الازمـــــــــــــات

الاثنين، 25 مارس 2013

ســــر الازمـــــــــــــات



خلل كبير نعاني منه في حياتنا الإسلامية المعاصرة أيما معاناة، ذلك هو النقص في الأخلاق الأساسية التي يجب أن تتوافر في كل مسلم؛ لأنها إن ضعفت أو نقصت فلن تقوم للأمة قائمة، هذه الأخلاق كانت موجودة أو كثير منها عند العرب عندما جاءهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بالنبوة والهداية. كان خلق الوفاء والصدق والشجاعة والتذمم للصديق والجار شائعاً، وكان العربي يجد غضاضة في أن يوصم بالكذب أو الغدر، ولذلك لم يُتعب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ نفسه في تأديب هؤلاء وتربيتهم على هذه الأخلاق والدعوة إلى ممارستها، فالإشارة منه لهذه الأخلاق كانت تكفي؛ لأنها ارتبطت بالتوحيد الذي جاءهم به، وهو الذي كان ينقصهم فلما تمثلوا به وأصبحت العبودية تامة لله _سبحانه_ كملت هداية الفطرة وهداية الوحي فكانوا كما قال _تعالى_: "نُورٌ عَلَى نُورٍ" (النور: من الآية35).

وفي هذه الأيام ابتلي المسلمون وابتليت الدعوة بمن تجرد من هذه الأخلاق، فالكذب – وهو أسوأ الأخلاق الرديئة – يقع فيه هؤلاء، سواء في أحاديثهم العادية أم في تجريح إخوانهم من الدعاة، ولا أدري بم يعللون هذه الفعلة الشنيعة، هل بمصلحة الدعوة؟! أما الحقيقة فهي أن معادنهم رخيصة، وليس عندهم أخلاق الفطرة؛ لأنها فسدت بسبب البيئة التي عاشوا فيها، ولا أخلاق الإسلام؛ لأنهم تربوا على الأنانية والحزبية الضيقة، ويتبع هذه الخصلة السيئة قلة الإنصاف في الحكم على الآخرين، فالتهم تكال كيلاً دون أدنى تحر للعدل والإنصاف، ويتناقل هذه التهم المغفلون والسذج دون أي تحرج أو تأثُّم، فكيف تستقيم حياتنا الإسلامية وفينا هذه الأخلاق، انظر إلى هذا الذي يقول عن إخوانه الذين يتصدون للظلم والقهر والإرهاب السافر، يقول عنهم في لقائه مع رئيس مجلس الدولة: "جئنا لتهدئة الأوضاع والخروج من الأزمة التي سالت فيها الدماء، فأصبح المقتول لا يعرف لماذا قُتِل، والقاتل لا يعرف لماذا قَتَل؟".
أهكذا أيها الداعية؟! المقتول لا يعرف لماذا قتل؟ الذين يجاهدون الظلم ويدفعون عن أنفسهم العدوان لا يعرفون لماذا يجاهدون؟ هل هذه أخلاق رجال؟ هل الذي يشمت بما يفعل بإخوانه يملك الأخلاق الأساسية التي هي من مقومات نهضة الأمة، وكان قد أظهر شماتته في أحداث سبقت وأيد نزول الجيش لإنهاء ما سماه (الفتنة).
إنها مصيبة – والله – أن يكون بعض من لا يتبنى الإسلام عنده من الجرأة والرجولة أكثر من هذا الذي يملك نفساً أنانية ولا يريد إلا التسلق على حساب مصائب إخوانه، ولذلك نقول: إن أزمتنا في بعض جوانبها أزمة أخلاقية.
أزمتنا الأخلاقية(2)
كم هو مؤلم للنفس أن يشكو إليك أخ مسلم حال بعض المنتسبين للدعوة، فيذكر من جفائهم وبعدهم عن تطبيق ما يأمر به الإسلام من الرفق واللين والكلمة الطيبة، والسؤال عن الحوائج وتفقد الأحوال، والزيارة الأخوية، ويتابع هذا الشاكي فيقول: "دخلت المستشفى فلم يزرني الإخوة الذين أعرفهم، وزارني زملاء العمل الذين هم أقرب لأن يكونوا من عوام المسلمين، وبعضهم يعرض عليَّ المساعدة المالية، أو أي خدمة يمكن أن يؤديها".
ونحن نسمع ونرى كيف يخدم أهل الباطل بعضهم، أو من يريدون وقوعه في شباكهم، مع أن المسلمين هم أوْلى الناس بكل مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، ولا يجوز أن يسبقهم سابق في هذا المضمار، وإننا نذكِّر المسلم بحديث: "اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب"، وحديث العاهر التي سقت كلباً في يوم قائظ فغفر الله لها، وحديث المرأة التي عُذِّبت في هرة لها حبستها، وحديث الذي كان يقام عليه حد الخمر فلعنه أحدهم، فقال له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "لا تلعنه إنه يحب الله ورسوله" كما نذكِّرهم بقصة الإمام أبي حنيفة مع جاره السكِّير الذي دخل السجن فشفع له أبو حنيفة، ثم تاب وأناب.
إن من أسباب هذا الجفاء والجفاف عند بعض المنتسبين إلى الدعوة هو ضيق عطنهم، وجهلهم بحال المدعو وبطريقة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وحاله في تأليف الناس، وطريقة العلماء الربانيين من هذه الأمة، ولذلك تجدهم إذا رأوا من هو مقصر في بعض السنن عاملوه بازدراء واستخفاف، وقد لا يسلمون عليه إلا بصوت منخفض، ولا يهتمون به ولا يحاولون استمالته بالكلمة الطيبة أو بصنع المعروف حتى يميل قلبه إلى محبة السنة وأهلها.
وهذا الذي ينظر إلى المقصرين بعين الازدراء وقع في داء أشد وهو العجب بالنفس والاستطالة على الخلق، وهؤلاء غالباً ما يقعون في الغيبة باسم النقد والتقويم، وهذا المرض أصبح فاشياً، فتُذكر معايب المسلم وقد لا تكون فيه، وأكثرها من الأوهام والظنون، ولا تسأل كذلك عن المكر الذي يستعمله بعضهم مع إخوانه ويعد هذا من الذكاء والكياسة، وينظر للمسلم الذي لا يستعمل هذا المكر على أنه مغفل مسكين.
وبعد هذا كله، ألا يحق لنا أن نصف بعض جوانب أزمتنا بأنها أخلاقية، وهي فرع ولا شك من تخلفنا العام الذي طال مكثه فينا، ونحن نحاول من هنا وهناك الخروج من هذا المأزق؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق