الصوفية بين الماضى والحاضر: 394 - إبراهيم بن أدهم

الجمعة، 15 مارس 2013

394 - إبراهيم بن أدهم

394 - إبراهيم بن أدهم 

ومنهم الحازم الأحزم ، والعازم الألزم ، أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم أيد بالمعارف فوجد ، وأمد بالملاطف فعبد ، كان عن المقطوع والمرذول وبالمرفوع الموصول متشاغلا ، كان شرع الرسول نهجه ، واختياره عليه السلام مرجعه ، ألف الميمون الموصول ، وخالف المفتون المخذول [ص: 368 ] وقيل : إن التصوف التكرم والتظرف ، والتنسم ، والتنظف . 


حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق السراج ، قال : سمعت إبراهيم بن بشار وهو خادم إبراهيم بن أدهم يقول : قلت : " يا أبا إسحاق ، كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه ؟ قال : غير ذا أولى بك ، فقلت له : هو كما تقول رحمك الله ، ولكن أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يوما ، فسألته الثانية فقال : ويحك اشتغل بالله ، فسألته الثالثة فقلت : يا أبا إسحاق ، إن رأيت ، قال : كان أبي من أهل بلخ ، وكان من ملوكخراسان ، وكان من المياسر ، وحبب إلينا الصيد ، فخرجت راكبا فرسي ، وكلبي معي ، فبينما أنا كذلك فثار أرنب أو ثعلب ، فحركت فرسي ، فسمعت نداء من ورائي : ليس لذا خلقت ، ولا بذا أمرت ، فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس ، ثم حركت فرسي ، فأسمع نداء أجهر من ذلك : يا إبراهيم ، ليس لذا خلقت ، ولا بذا أمرت ، فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلا أرى أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس ، ثم حركت فرسي ، فأسمع نداء من قربوس سرجي : يا إبراهيم ، ما لذا خلقت ، ولا بذا أمرت ، فوقفت فقلت : أنبهت ، أنبهت ، جاءني نذير من رب العالمين ، والله لا عصيت الله بعد يومي ذا ما عصمني ربي ، فرجعت إلى أهلي فخليت عن فرسي ، ثم جئت إلى رعاة لأبي ، فأخذت منهم جبة ، وكساء ، وألقيت ثيابي إليه ، ثم أقبلت إلى العراق ، أرض ترفعني ، وأرض تضعني ، حتى وصلت إلى العراق ، فعملت بها أياما ، فلم يصف لي منها شيء من الحلال ، فسألت بعض المشايخ عن الحلال ، فقالوا لي : إذا أردت الحلال فعليك ببلاد الشام ، فصرت إلى بلاد الشام ، فصرت إلى مدينة يقال لهاالمنصورة وهي المصيصة فعملت بها أياما ، فلم يصف لي شيء من الحلال ، فسألت بعض المشايخ فقالوا لي : إن أردت الحلال الصافي فعليك بطرسوس ، فإن فيها المباحات والعمل الكثير ، فتوجهت إلى طرسوس ، فعملت بها أياما أنظر البساتين ، وأحصد الحصاد ، فبينا أنا قاعد على باب البحر إذ جاءني رجل فاكتراني أنظر له بستانه ، فكنت في بساتين كثيرة ، فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحابه ، فقعد في مجلسه ثم صاح : يا ناظور ، فقلت : هو ذا أنا ، قال : اذهب فأتنا بأكبر رمان تقدر عليه ص: 369 ] وأطيبه ، فذهبت فأتيته بأكبر رمان ، فأخذ الخادم رمانة فكسرها فوجدها حامضة ، فقال لي : يا ناظور أنت في بستاننا منذ كذا ، تأكل فاكهتنا ، وتأكل رماننا لا تعرف الحلو من الحامض ؟ قال إبراهيم :قلت : والله ما أكلت من فاكهتكم شيئا ، وما أعرف الحلو من الحامض ، فأشار الخادم إلى أصحابه ، فقال : أما تسمعون كلام هذا ؟ ثم قال : أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم ما زاد على هذا ، فانصرف ، فلما كان من الغد ذكر صفتي في المسجد ، فعرفني بعض الناس ، فجاء الخادم ومعه عنقمن الناس ، فلما رأيته قد أقبل مع أصحابه اختفيت خلف الشجر ، والناس داخلون ، فاختلطت معهم وهم داخلون وأنا هارب ، فهذا كان أوائل أمري وخروجي من طرسوس إلى بلاد الرمال " 

وروى يونس بن سليمان البلخي ، عن إبراهيم بن أدهم ، وزاد في هذه القصة : " إذا هو على فرسه يركضه ، إذ سمع صوتا من فوقه : يا إبراهيم، ما هذا العبث ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون اتق الله ، وعليك بالزاد ليوم الفاقة ، فنزل عن دابته ، ورفض الدنيا ، وأخذ في عمل الآخرة " حدثته عن عبد الله بن الحارث ، عن إسماعيل بن بشر البلخي ، عن عبد الله بن محمد العابد ، عن يونس بن سليمان 

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا علي بن الصباح ، ثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم ، ثنا المسيب ، ثنا عبد الله بن المبارك ، قال : " خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم ، من خراسان ونحن ستون فتى نطلب العلم ما منهم آخذ غيري 

حدثنا عبد الله بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم ، قالا : أخبرنا أبو يعلى ، ثنا عبد الصمد بن يزيد ، قال : سمعت شقيقا البلخي ، يقول : " لقيت إبراهيم بن أدهم ، في بلاد الشام ، فقلت : يا إبراهيم تركت خراسان ؟ فقال : ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام ، أفر بديني من شاهق إلى شاهق ، ومن جبل إلى جبل ، فمن يراني يقول : موسوس ، ومن يراني يقول : هو حمال ثم قال لي : يا شقيق ، لم ينبل عندنا من نبل بالحج ولا بالجهاد ، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه - يعني الرغيفين - من حله ، ثم قال : يا شقيق ، ماذا أنعم الله على الفقراء لا يسألهم يوم القيامة ، لا عن زكاة ، ولا عن حج ، ولا عن جهاد ، ولا عن صلة رحم ص: 370 ] إنما يسأل هؤلاء المساكين - يعني الأغنياء " 

حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن متويه ، ثنا أبو موسى الصوري ، ثنا عبد الصمد بن يزيد مثله . 

أخبرني جعفر بن محمد بن نصير في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن نصر المنصوري مولى منصور بن المهدي حدثني إبراهيم بن بشار الصوفي الخراساني خادم إبراهيم بن أدهم قال : " أمسينا مع إبراهيم بن أدهم ذات ليلة وليس معنا شيء نفطر عليه ، ولا بنا حيلة ، فرآني مغتما حزينا ، فقال : يا إبراهيم بن بشار ، ماذا أنعم الله تعالى على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة في الدنيا والآخرة ؟ لا يسألهم الله يوم القيامة عن زكاة ، ولا عن حج ، ولا عن صدقة ، ولا عن صلة رحم ، ولا عن مواساة ، وإنما يسأل ويحاسب عن هذا هؤلاء المساكين ، أغنياء في الدنيا ، فقراء في الآخرة ، أعزة في الدنيا ، أذلة يوم القيامة " ، لا تغتم ولا تحزن ، فرزق الله مضمونسيأتيك ، نحن والله الملوك والأغنياء ، نحن الذين قد تعجلنا الراحة في الدنيا ، لا نبالي على أي حال أصبحنا وأمسينا إذا أطعنا الله عز وجل ، ثم قام إلى صلاته وقمت إلى صلاتي ، فما لبثنا إلا ساعة إذا نحن برجل قد جاء بثمانية أرغفة وتمر كثير ، فوضعه بين أيدينا وقال : كلوا رحمكم الله قال : فسلم ، وقال : كل يا مغموم فدخل سائل فقال : أطعموني شيئا ، فأخذ ثلاثة أرغفة مع تمر ، فدفعه إليه وأعطاني ثلاثة وأكل رغيفين وقال :المواساة من أخلاق المؤمنين 
خبرني جعفر بن محمد ، ثنا إبراهيم بن نصر ، ح وحدثنا محمد بن أحمد ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا محمد بن غالب ، قالا : ثنا إبراهيم بن بشار الرطابي ، قال : " بينا أنا وإبراهيم بن أدهم ، وأبو يوسف الغسولي ، وأبو عبد الله السخاوي ونحن متوجهون نريد الإسكندرية ، فصرنا إلى نهر يقال له نهر الأردن ، فقعدنا نستريح ، فقرب أبو يوسف الغسولي كسيرات يابسات ، فأكلنا وحمدنا الله تعالى ، وقام أحدنا ليسقي إبراهيم ، فسارعه فدخل النهر حتى بلغ الماء ركبتيه ، ثم قال : بسم الله ، فشرب ، ثم قال : الحمد لله ، ثم يبدأ ثانية ، فقال : بسم الله ، ثم شرب ، ثم قال : الحمد لله ، ثم خرج فمد رجليه ، ثم قال : يا أبا يوسف ، لو علم الملوك وأبناء الملوك ص: 371 ] ما نحن فيه من السرور والنعيم إذا لجالدونا على ما نحن فيه بأسيافهم أيام الحياة على ما نحن فيه من لذة العيش وقلة التعب " زاد جعفر فقلت له : يا أبا إسحاق طلب القوم الراحة والنعيم ، فأخطأوا الطريق المستقيم ، فتبسم ، ثم قال : من أين لك هذا الكلام ؟ 

أخبرت عن عبد الله بن أحمد بن سوادة ، قال : سمعت الحسن بن محمد ، عن بكر ، يقول : قال لي عباس بن الفضل المرعشي : " لقيت عبد العزيز بن أبي رواد ، فتذاكرنا أمر إبراهيم بن أدهم ، فقال عبد العزيز رحم الله إبراهيم بن أدهم ، لقد رأيته بخراسان إذا ركب حضر بين يديه نحو من عشرين شاكري ، ولكنه رحمه الله طلب بحبوحة الجنة " 

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو العباس الهروي ، ثنا أبو سعيد الخطابي ، حدثني القاسم بن الحسن ، ثنا إبراهيم بن شماس ، قال :سمعت إبراهيم بن أدهم ، يقول : " كان أدهم رجلا صالحا ، فولد إبراهيم بمكة ، فرفعه في خرقة ، وجعل يتتبع أولئك العباد ، والزهاد ، ويقول : ادعوا الله له ، يرى أنه قد استجيب لبعضهم فيه " . 

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن أحمد بن الوليد ، ثنا عبد الله بن خبيق ، ثنا أحمد بن المفضل ، قال : قال لي خلف بن تميم قال لي إبراهيم بن أدهم ، " كنت في بعض السواحل ، وكانوا يستخدموني ويبعثوني في حوائجهم ، وربما يتبعني الصبيان حتى يضربوا ساقي بالحصا ، إذ جاء قوم من أصحابي ، فأحدقوا بي ، فأكرموني ، فلما رأى أولئك إكرامهم لي أكرموني ، فلو رأيتموني والصبيان يرموني بالحصا ، وذلك أحلى في قلبي منهم حيث أحدقوا بي " 

حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن زيد المستملي ، ثنا دواد بن الجراح ، قال : " كان إبراهيم بن أدهم ينظر كرما في كورة غزة ، فجاءه صاحب الكرم ومعه أصحابه ، فقال : ائتنا بعنب نأكل ، فأتاه بعنب يقال له الخافوني ، فإذا هو حامض فقال له صاحب الكرم : من هذا تأكل ؟ قال : ما آكل من هذا ولا من غيره ، قال : لم ؟ قال : لأنك لم تجد لي ص: 372 ] شيئا من العنب قال : فأتني برمان ، فأتاه برمان فإذا هو حامض ، فقال : من هذا تأكل ؟ قال : لا آكل من هذا ولا من غيره ، ولكن رأيته أحمر حسنا ، فظننت أنه حلو ، فقال : لو كنت إبراهيم بن أدهم ما عدا ، قال : فلما علم أنهم عرفوه هرب منهم وترك كراه " 

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن فضيل العكي ، قال : سمعت أبي يقول : " كان إبراهيم يحصد وينظر ، فنظر بستانا بعسقلان لنصراني فيه أصناف الشجر ، فقالت امرأة النصراني : يا هذا ، استوص بهذا الرجل خيرا ، فإني أظنه الصالح الذي يذكرونه ، فقال زوجها : وكيف عرفتيه ؟ قالت : أحمل إليه الغداء ، فأدرك عنده العشاء ، وأحمل إليه العشاء فأدرك عنده الغداء ، قال أبي : وكان يتقبل بالزرع قبالة " 

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إبراهيم بن محمد ، ثنا أحمد بن فضيل ، قال : سمعت أبي يقول : " صعدت مع إبراهيم بن أدهم حائط عكة ، فركب الحائط بين الشرفتين كما يركب الرجل دابته ، ثم قال لي : ارقد - شبيها بالمنتهر - فرقدت ، فلم يجئني النوم ، ثم لم أزل أزحف لأسمع من فيه شيئا ، فلم أسمع إلا رن جوفه ، كان يدوي كدوي النحل ، وكان لا يحرس ليلة الجمعة ، قلت : ما لك لا تحرس ليلة الجمعة ؟ قال : إن الناس يرغبون في فضل ليلة الجمعة فيحرسون أنفسهم فإذا حرسوا أنفسهم نمنا ، وإذا ناموا حرسناهم 

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا إبراهيم بن محمد ، ثنا عصام بن رواد ، قال : سمعت سهل بن بشر ، يقول : " مر بي إبراهيم بن أدهم ، وأنا أكسر عود حطب قد أعياني ، فقال لي : يا محمد ، قد أعياك ؟ قلت : نعم ، قال فتأمر لنا به ؟ قلت : نعم ، قال : وتعيرنا الفأس ؟ قلت : نعم ، قال : فأخذ العود ووضعه على رقبته ، وأخذ الفأس ومضى ، فبينا أنا على ذلك إذا أنا بالباب قد فتح والحطب يطرح في الباب مكسرا ، وألقى الفأس وأغلق الباب ومضى ، قال : " وكان إبراهيم إذا صلى العشاء وقف بين يدي الدور فنادى بأعلى صوته : من يريد يطحن ؟ فكانت المرأة تخرج القفة ، والشيخ الكبير ، فينصب الرحى بين رجليه ص: 373 ] فلا ينام حتى يطحن بلا كراء ، ثم يأتي أصحابه " . 

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا إبراهيم بن محمد ، ثنا محمد بن يزيد المستملي ، ثنا علي بن بكار ، قال : " كان الحصاد أحب إلى إبراهيم من اللقاط ، وكان سليمان الخواص لا يرى باللقاط بأسا ، ويلقط ، وكانت أسنانهما قريبة ، وكان إبراهيم أفقه ، وكان من العرب من بني عجل ، كريم الحسب ، وكان إذا عمل ارتجز وقال : 
اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا


وكان يلبس في الشتاء فروا ليس تحته قميص ، ولم يكن يلبس خفين ، ولا عمامة ، وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم يتزر بواحدة ، ويرتدي بأخرى ، ويصوم في السفر ، والحضر ، ولا ينام الليل ، وكان يتفكر ، فإذا فرغ من الحصاد أرسل بعض أصحابه فحاسب صاحب الزرع ، ويجيء بالدراهم لا يمسها بيده ، فيقول لأصحابه : اذهبوا كلوا بها شهواتكم ، فإن لم يكن حصاد أجر نفسه في حفظ البساتين والمزارع ، وكان يجلس فيطحن بيد واحدة مدي قمح ، قال إبراهيم يعني قفيزين " 

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يزيد ، ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري ، ح وحدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن يزيد ، ثنا خلف بن تميم ، قال : " قلت لإبراهيم بن أدهم مذ كم نزلت بالشام ؟ قال : منذ أربع وعشرين سنة ، ما نزلتها لجهاد ، ولا لرباط ، فقلت : لأي شيء نزلتها ؟ قال : لأشبع من خبز حلال " 
حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن يزيد ، ثنا علي بن بكار ، عن إبراهيم بن أدهم ، قال : حدثني رفيقه ، قال : " خرجت مع إبراهيم بن أدهم ، من بيت المقدس ، فنفد زادنا في الطريق ، فجعلنا نأكل الخرنوب ، وعروق الشجر حتى خشنت حلوقنا ، وبلغ منا الجهد ، فقلت : ندخل القرية عسى أن نطلب عملا ، فإذا في القرية نهر ، فتوضأ وصف قدميه فدخلت ألتمس فتقبلت من قوم حائطا قد سقط أجره بأربعة دراهم ، فقلت : قد تقبلت عملا ، فجعل يعمل عمل الرجال ، وأعمل عملا ضعيفا ، فجاءونا بغداء ، فغسلت يدي أبادر الطعام ، فقال لي : هذا في شرطك بعدما تعالى النهار ؟ ص: 374 ] فقلت : لا ، قال : فاصبر حتى تأخذ كراك وتشتري ، قال : فلما فرغنا أخذنا الدراهم ، واشترينا ، وأكلنا وطعمنا ، ثم خرجنا فأصابنا في الطريق الجوع ، فأتينا قرية من قرى حمص ، فإذا ساقية ماء ، فتوضأ للصلاة وصف قدميه ، وإذا إلى جانبنا دار فيها غرفة ، فبصر بنا صاحب الغرفة حين نزلنا ولم نطعم ، فبعث إلينا بجفنة فيها ثريد وخبز عراق ، فوضعت بين أيدينا ، فانفتل من الصلاة فقال : من بعث ؟ فقلت : صاحب المنزل ، قال : ما اسمه ؟ قلت : فلان بن فلان ، فأكل وأكلت ، ثم أتينا عمق أنطاكية وقد حضر الحصاد ، فحصدنا بنحو ثمانين درهما فقلت : آخذ نصف هذه وأرجع ، ما بي قوة على صحبته ، فقلت : إني أريد الرجوع إلى بيت المقدس ، قال : ما أنت لي مصاحبا ، فدخل أنطاكية ، واشترى ملاءتين من تلك الدراهم ، فقال : إذا أتيت قرية كذا وكذا التي أطعمنا فيها فسل عن فلان ابن فلان ، وادفع إليه الملاءتين ، ودفع إلي بقية الدراهم ، وبقي ليس معه شيء ، فدفعت الملاءتين إلى الرجل ، فقال : من بعث بها ؟ قلت : إبراهيم بن أدهم ، فقال : ومن إبراهيم بن الأدهم ؟ فأخبرته أنه كان أحد الرجلين اللذين بعث إليهما بالطعام ، فأخذهما ، ومضيت إلى بيت المقدس فأقمت حينا ، فرجعت وسألت عن الرجل ، فقيل لي : مات وكفن في الملاءتين " 

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن فضيل العكي ، حدثني أبي ، قال : " رأيت إبراهيم بن أدهم إذا حصد يحصد ويستعين معه الضعفاء فيسبقهم في أمانه يعني الموضع - فيحصده ثم يشير إلى أصحابه : أن اجلسوا ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، ثم يرجع إلى ما في أيديهم فيحصده دونهم وهم جلوس ، ثم يصلي ركعتين ثم يرجع إلى أمانه فيحصده " 
الكتب » حلية الأولياء وطبقات الأصفياء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق