الصوفية بين الماضى والحاضر: الخلوة عند الصوفية

الأحد، 8 يوليو 2012

الخلوة عند الصوفية




الخلوة  ينفرد بها المريد ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم أو محاسبة نفسه أو ليتفكر في خلق السموات والأرض.



ـ أقوال العلماء في أهمية الخلوة وفوائدها:


قال ابن القيم: لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً على جمعيته على الله، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى فإن شعث القلب لا يلمه إلا بالإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول المنام مما يزيده شعثاً ويشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعه أو يعوقه ويوقفه، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم (إلى أن قال) وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله وجمعيته عليه.

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح حديث عائشة عند قوله: "حبب إليه الخلاء": (أما الخلاء فهو الخلوة، وهي شأن الصالحين، وعباد الله العارفين. ثم قال: قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: حُبِّبَتْ إليه العزلة صلى الله عليه وسلم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر، ويتخشع قلبه) [صحيح مسلم بشرح الإمام النووي ج2/ص198].

الإمام الشافعي:

وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (ومن أحب أن يفتح الله قلبه، ويرزقه العلم، فعليه بالخلوة وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذي ليس معهم إنصاف ولا أدب) ["بستان العارفين" للإمام الفقيه الحافظ أبي زكريا محي الدين النووي المتوفى 676هـ ص47].

الدكتور مصطفي السباعي:

وقال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في كتابه "مذكرات في فقه السيرة": (يجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفَيْنة والفَيْنة أوقات يخلو فيها بنفسه، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة والحياة المضطربة من حوله. ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه إن قصرت في خير، أو زلت في اتجاه، أو جانبت سبيل الحكمة، أو أخطأت في منهج أو طريق، أو انغمست مع الناس في الجدال والنقاش، حتى أنْسَتْهُ تذكُّرَ الله والأنس به، وتذكر الآخرة وجنتها ونارها والموتِ وغصصه وآلامه. ولذلك كان التهجد وقيام الليل فرضاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستحباً في حق غيره. وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته. وللخلوة والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها. وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يقول في أعقاب تهجده وعبادته: نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها) ["مذكرات في فقه السيرة" للدكتور مصطفى السباعي ص18].






والخلاصة:

إن الخلوة نوعان: خلوة عامة، ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم، أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السموت والأرض.

وخلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشدٍ مأذون، يُلَقِّنُ المريدَ ذكراً معيناً، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المُكَوِّن.

ولا يظنَنَّ أحد أن الخلوة خاتمة السير، بل هي أول خطوة في طريق الوصول إلى الله تعالى، فلا بد أن تتلوها خلوات ومجاهدات طويلة ومذاكرة متواصلة للمرشد بهمة وصدق واستقامة، وملازمة على ذكر الاسم المفرد في الصباح والمساء، وعند كل فراغ، حتى يكون على اتصال دائم بالله تعالى، قد جمع بين مرتبتي الإحسان: المراقبة والمشاهدة ؛ اللتين أشار إليهما الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: "الإحسان أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تره فإنه يراك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق