الاجتماع
على الذكر فى حلق سنة ثابتة بأدلة الشرع الشريف, أمر الله بها فى كتابه العزيز, فقال
تعالى: )وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (الكهف ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن
لله تعالى ملائكة يطوفون فى الطريق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوماً يذكرون
الله تنادوا: هَلُمُّوا إلى حاجتكم, فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا..... إلى
أن قال: فيقول الله U: أشهدكم أنى غفرت لهم. فيقول
ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم, إنما جاء لحاجة, قال: هم الجلساء لا يشقى
جليسهم)([6]).
وعن
معاوية رضي الله عنه: (أن النبى صلى الله عليه وسلم، خرج على حلقة من أصحابه, فقال:
ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام وَمَنَّ به علينا....
إلى أن قال: أتانى جبريل فأخبرنى أن الله يباهى بكم الملائكة)([7]).
وقد
بوب النووى الحديث الأول فى كتابه رياض الصالحين بعنوان, باب فضل: (حلق الذكر), والذكر
فى الشريعة الإسلامية له معان كثيرة منها: الإخبار المجرد عن ذات الله, أو صفاته, أو
أفعاله, أو أحكامه, أو بتلاوة كتابه, أو بمسألته ودعائه, أو بإنشاء الثناء عليه
بتقديسه, وتمجيده, وتوحيده, وحمده, وشكره وتعظيمه, ولا دليل أن حلق الذكر المراد
بها هنا دروس العلم.
وقد
أورد الصنعانى حديث مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (ما جلس قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة, وغشيتهم الرحمة, وذكرهم
الله فيمن عنده)([8]).
ثم
قال: (دل الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين, وفضيلة الاجتماع على الذكر. وأخرج
البخارى: (أن ملائكة يطوفون فى الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون
الله تعالى تنادوا هَلُمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء
الدنيا) الحديث. وهذا من فضائل مجالس الذكر تحضرها الملائكة بعد التماسهم لها.
والمراد
بالذكر هو: التسبيح, والتحميد, وتلاوة القرآن, ونحو ذلك, وفى حديث البَزَّار (إنه
تعالى يسأل ملائكته: ما يصنع العباد؟ وهو أعلم بهم, فيقولون: يعظمون آلاءك, ويتلون
كتابك, وَيُصَلُّونَ على نبيك, ويسألونك لآخرتهم ودنياهم), والذكر حقيقة فى ذكر
اللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضار معناه, وإنما يشترط ألا يقصد غيره, فإن
انضاف إلى الذكر باللسان الذكر بالقلب فهو أكمل, وإن انضاف إليهما استحضار معنى
الذكر, وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى, ونفى النقائص عنه ازداد كمالاً, فإن
وقع ذلك فى عمل صالح مما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما فكذلك, فإن صح التوجه
وأخلص لله فهو أبلغ فى الكمال([9]).
ومما
سبق يعلم أن التجمع لذكر الله بقراءة القرآن, أو مدارسة العلم, أو التسبيح
والتهليل والتحميد من السنن التى حث عليها ربنا فى كتابه العزيز, وسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم، الصحيحة الصريحة.
والله
تعالى أعلى وأعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1])
الغرر البهية, لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى, ج1 ص387.
([2])
الفتاوى الفقهية الكبرى, لابن حجر الهيثمى, ج2 ص 385.
([3])
البحر الرائق, لابن نجيم, ج2 ص 52.
([4])
الموسوعة الفقهية الكويتية, ج21 ص 257, 258, حرف الذال, ذكر.
([5])
المدخل, للعبدرى ابن الحاج: ج3 ص 179, 180.
([6])
أخرجه البخارى فى صحيحه, ج5 ص 2353.
([7])
أخرجه مسلم فى صحيحه, ج4 ص 2075.
([8])
أخرجه مسلم فى صحيحه, ج4 ص 2074.
([9])
سبل السلام, للصنعانى, ج2 ص 7
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق