الإيمان بالله تعالى
إن الله واحد احد فرد صمد لا
شريك له، ولا شيء مثله ولا يعجزه شيء ولا إله غيره. قديم بلا ابتداء دائم بلا
انتهاء، لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد. لا تبلغه الأوهام ولا تدركه
الأفهام ولا يشبه الأنام. خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا
مشقة.
ما زال بصفاته قديما قبل خلقه،
لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته. وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال
عليها أبديا. ليس بعد الخلق استفاد اسم "الخالق" ولا بإحداث البرية
استفاد اسم "الباري" ،, ليس بجسم ولا جوهر بل هو خالق الجسم والجوهر ,
وهو سبحانه لا يكيفه العقل ولا يمثله الفكر ولا تبينه العباره ولا تعينه الاشاره
ولا تحيط به الافكار ولا تدركه الابصار له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق
ولا مخلوق ، وكما أنه "محيي الموتى" بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل
إحيائهم ، وكذلك استحق اسم "الخالق" قبل إنشائهم. ذلك بانه على كل شيء
قدير وكل شيء إليه فقير. وكل أمر عليه يسير. لا يحتاج إلى شيء (( ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير )) .
, موصوف بكل وصف به نفسه من الحياه والعلم
والقدره والاراده والسمع والبصر والكلام
خلق الخلق بعلمه وقدر لهم أقدارا ضرب لهم آجالا،
ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته
ونهاهم عن معصيته وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته. ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد
إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن. , لا محمولا على شىء ولا يحده
الزمان ولا المكان , على العرش استوي ,
وقالوا فى الاستواء ما قاله مالك بن أنس حين سأل عن ذلك فقال ( الاستواء معلوم
والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعه وكذلك مذهبهم)
يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء
ويخذل ويبتلي عدلا. وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، وهو متعال عن الأضداد
والأنداد، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره. آمنا بذلك كله وأيقنا أن
كلا من عنده.
الإيمان بنبوة النبي محمد صلى
الله عليه وسلم
وأن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله
المرتضى وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين. وهو
المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والرحمة والهدى وبالنور والضياء.
الإيمان بالقرآن الكريم
وأن القرآن كلام الله القديم منه بدأ بلا كيفية
قولا وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله
تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا
يشبه قول البشر..
رؤية الله حق
والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية
كما نطق به كتاب ربنا: (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) ، وتفسيره على ما
اراده الله تعالى وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله
عليه وسلم فهو كما قال ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا
متوهمين بأهوائنا
فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات
الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية . .وتعالى عن
الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، .لا تحويه الجهات الست كسائر
المبتدعات .
الإيمان بالإسراء والمعراج حق
والمعراج حق. وقد أسري بالنبي صلى الله عليه
وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ومن ثم إلى حيث شاء الله من العلا. وأكرمه
الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى : (( ما كذب الفؤاد ما رأى )) ، فصلى الله عليه
وسلم في الأخرة والأولى. والحوض الذي أكرمه الله تعالى به حق. والشفاعة التي
ادخرها له حق، كما روي في الأخبار.
الإيمان بعلم الله
والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته
حق. وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة
واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه . وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن
يفعلوه، وكل ميسر لما خلق له. والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله
والشقي من شقي بقضاء الله.
الإيمان بالقضاء والقدر
وأصل القدر سر الله في خلقه، لم يطلع على ذلك
ملك مقرب ولا نبي مرسل. فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه
كما قال تعالى في كتابه : (( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ))
ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما
فيه
وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل
كائن من خلقه، فقد ذالك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ، ولا مزيل ولا
مغير . ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذالك من عقد الإيمان وأصول
المعرفه والإعتراف بتوحيد الله تعالى وبربوبيته،كما قال تعالى في كتابه: (( وخلق كل
شيْ فقدره تقديرا )) ، وقال تعالى : (( وكان أمر الله قدرا مقدورا )) .
الإيمان بالعرش والكرسي
والعرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما
دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه.
الإيمان بالملائكة والنبيين
والكتب السماوية
وتقول إن الله اتخذ إبراهيم
خليلا وكلم موسى تكليما، إيمانا وتصديقا وتسليما. ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب
المنزلة على المرسلين. ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين.
ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ، ما داموا بما
جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين.
ولا نخوض في الله ، ولا نماري في دين الله ، ولا
نجادل في القران ، ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين فعلمه سيد
المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم. وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام
المخلوقين، ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين.
ولا نكفر أحدل من أهل القبلة
بذنب ما لم يستحله . ولا نقول : لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله. نرجوا للمحسنين
أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة. ونستغفر
لمسيئهم ونخاف عليهم ولا نقنطهم.
تعريف الإيمان
والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان .
وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق، والإيمان
واحد وأهله في أصله سواء . والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة
الأولى. والمؤمنين كلهم أولياء الرحمن وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقران.
والإيمان هو الإيمان بالله
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى.
ونحن مؤمنون بذلك كله لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به.
أهل الكبائر من المؤمنين لا
يخلدون في النار
وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله
عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن
لقوا الله عارفين (مؤمنين) وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله،
كما ذكر عز وجل في كتابه : (( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، وإن شاء عذبهم في
النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى
جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته
الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته. اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا
على الإسلام حتى نلقاك به.
ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من
أهل القبلة وعلى من مات منهم. ولا ننزل أحد منهم جنة ولا نارا، ولا نشهد عليهم
بكفر ولا شرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى.
ولا نرى السيف على أحد من أمة
محمد صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف.
ولا نرى الخروج على أئمتنا
وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من
طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة.
اتباع أهل السنة والجماعة
ونتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف
والفرقة. ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة.
وقول الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه.
ونرى المسح على الخفين ي السفر
والحضر كما جاء في الأثر.
الإيمان بالملائكة والبرزخ
والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين
برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما.
ونؤمن بالكرام الكاتبين، فإن
الله قد جعلهم علينا حافظين. ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين. وبعذاب
القبر لمن كان أهلا له. وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه، على ما جاءت
به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم. والقبر
روضة من رياض الجنة وأو حفرة من حفر النيران.
ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم
القيامة والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب والصراط والميزان .
والجنة والنار مخلوقتان لا
تفنيان أبدا ولا تبيدان، وأن الله خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلا.
فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه.
والخير والشر مقدران على
العباد، واي استطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف
المخلوق به فهي من مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة
الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال الله تعالى : (( لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها )) .
وأفعال العباد خلق من الله وكسب
من العباد، ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم ، وهو
تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله".
نقول لا حيلة لأحد ولا حركة
لأحد ولا تحول لأحد من معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة
الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله .
وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى
وعلمه وقضاؤه وقدره. غلبت مشيئته المشيئات كلها. وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما
يشاء وهو غير ظالم أبدا، تقدس عن كل سوء وحين وتنزه عن كل عيب وشين (( لا يسئل عما
يفعل وهم يسئلون )) .
وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات، والله
تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات ويملك كل شيء ولا يملكه شيء، ولا غنى عن الله
طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين .
والله يغضب ويرضى لا كأحد من
الورى.
حب أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم
ونحب أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير
الخير يذكرهم. ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق
وطغيان.
ونثبت الخلافة بعد رسو ل الله
صلى الله عليه وسلم أولا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، تفضيلا له وتقديما على
جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم
لعي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهو الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون.
وأن العشرة الذين سماهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة، على ما شهد لهم رسو ل
الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير
وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، رضي
الله عنهم أجمعين.
ومن أحسن القول في أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس
فقد برئ من النفاق.
وعلماء السلف من السابقين ومن
بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن
ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
ولا نفضل أحدا من الأولياء على
أحد من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء. نؤمن بما
جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم.
الإيمان بيوم القيامة وما فيه
من المشاهد
ونؤمن بأشراط الساعة من خروج
الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها
وخروج دابة الأرض من موضعها. ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف
الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة
زيغا وعذابا. ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام . قال الله تعالى :
(( إن الدين عند الله الإسلام )) ، وقال : (( ورضيت لكم الإسلام دينا )) ، وهو بين
الغلو والتقصير ، وبين التشبيه والتعطيل ، وبين الجبر والقدر ، وبين الأمن والإياس
.
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا
وباطنا، ونحن برءاء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.
إن الدين عند الله الإسلام
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ، ويختم
لنا به ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل :
المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا السنة
والجماعة وحالفوا الضلالة، ونحن منهم برءاء وهم عندنا ضلال وأردياء. وبالله العصمة
والتوفيق .
[أفـضـل الـصـحـابـة]
ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأنهم الخلفاء
الراشدون الذين ذكر صلى الله عليه وسلم خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن نبهان عن
سفينة "الخلافة بعدي ثلاثون سنة " وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى
الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. ويثبت أصحاب الحديث
خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باختيار
الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا،
فرضيناه لدنيانا، وقولهم: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يؤخرك! وأرادوا
أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه، فصلينا وراءك بأمره، فمن ذا
الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي
بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا
عليه واجتمعوا، فانتفعوا بمكانه والله، وارتفعوا حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه:
والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف لما عبدا الله. ولما قيل له: مه
يا أبا هريرة! قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به. ثم خلافة عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه، واتفاق الصحابة عليه
بعده، وإنجاز الله سبحانه بمكانه في إعلاء الإسلام، وإعظام شأنه وعده. ثم خلافة
عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة، ورضاهم به حتى جعل
الأمر إليه. ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، عرفه ورآه كل منهم رضي
الله عنه أحق الخلق، وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه،
فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم
الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم
ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل: (وعد الله
الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم)
وفي قوله: (أشداء على الكفار) فمن أحبهم وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم
فاز في الفائزين، ومن أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج ـ
لعنهم الله ـ فقد هلك في الهالكين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا
تسبوا أصحابي، فمن سبهم فعليه لعنة الله " وقال: "من أحبهم فبحبي أحبهم،
ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن سبهم فعليه لعنة الله".
[الـصـلاة خـلـف الـبـر و
الـفـاجـر]
ويرى أصحاب الحديث الجمعة
والعيدين، وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا. ويرون جهاد
الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح،
ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف. ويرون
قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل.
[الـكـف عـمـا شـجـر بـيـن
الـصـحـابـة]
ويرون الكف عما شجر بين أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيبا لهم ونقصا
فيهم. ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم. وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه
رضي الله عنهن، والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين.
[لـكـل مـخـلـوق أجـل]
ويعتقدون ويشهدون أن الله عز
وجل أجل لكل مخلوق أجلا، وأن نفسا لن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، وإذا انقضى
أجل المرء فليس إلا الموت، وليس له عنه فوت، قال الله عز وجل: (ولكل أمة أجل، فإذا
جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون) وقال: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن
الله كتابا مؤجلا). ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله، قال الله عز وجل:
(قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم).
[وسـوسـة الـشـيـاطـيـن]
ويتيقنون أن الله سبحانه خلق
الشياطين يوسوسون للآدميين، ويعتمدون استزلالهم ويترصدون لهم، قال الله عز وجل:
(وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون). وإن
الله يسلطهم على من يشاء، ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله عز وجل:
(واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال
والأولاد وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى
بربك وكيلا). وقال: (انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما
سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون).
[الـسـحـر و السـحـرة]
ويشهدون أن في الدنيا سحرا
وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحدا إلا بإذن الله، قال الله عز وجل: (وما هم بضارين به
من أحد إلا بإذن الله) ومن سحر منهم واستعمل السحر، واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير
إذن الله تعالى فقد كفر. وإذا وصف ما يكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإن
وصف ما ليس بكفر، أو تكلم بما لا يفهم نهى عنه فإن عاد عزر. وإن قال: السحر ليس
بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله، لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه.
[الـخـيـر و الـشـر]
ويشهد
أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، لا مرد لهما،
ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن
ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له. لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم
يقضه الله لم يقدروا. على ما ورد به الخبر عن عبد الله بن عباس عن الني صلى الله
عليه وسلم. وقال الله عز وجل: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك
بخير فلا راد لفضله) ومن مذهب أهل السنة وطريقهم مع قولهم بأن الخير والشر من
الله، وبقضائه، لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الإنفراد، فلا يقال:
يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه،
وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح " تباركت
وتعاليت، والخير في يديك، والشر ليس إليك " ومعناه والله أعلم والشر ليس مما
يضاف إليك إفرادا وقصدا، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر أو يا مقدر الشر،
وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعا، لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب
إلى نفسه، فقال: فيما أخبر الله عنه في قوله: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون ي
البحر، فأردت أن أعيبها) ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز
وجل فقال: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) ولذلك قال
مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: (وإذا مرضت فهو يشفين) فأضاف المرض إلى
نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه.ومن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله
عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، لم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولم يكفر
أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس
فكفر الكافرين وإيمان المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره، وإرادته ومشيئته، أراد
كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة،ويسخط الكفر والمعصية، قال الله عز
وجل: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم).
عـواقـب الـعـبـاد
مـبـهـمـة
ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن
عواقب العباد مبهمة، لا يدري أحد بما يختم له، ولا يحكون لواحد بعينه أنه من أهل
الجنة، ولا يحكون على أحد بعينه أنه من أهل النار، لأن ذلك مغيب عنهم، لا يعرفون
على ما يموت عليه الإنسان بم ولذلك يقولون: إنا مؤمنون إن شاء الله. ويشهدون لمن
مات على الإسلام أن عاقبته الجنة فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون
بالنار مدة لذنوبهم التي اكتسبوها، ولم يتوبوا منها، فإنهم يردون أخيرا إلى الجنة
ولا يبقى أحد في النار من المسلمين. فضلا من الله ومنه، ومن مات والعياذ بالله على
الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى.
[الـمـبـشـرون بـالـجـنـة]
فأما الذين شهد لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، فإن أصحاب الحديث
يشهدون لهم بذلك، تصديقا للرسول صلى الله عليه وسلم فما ذكره ووعده لهم، فإنه صلى
الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله صلى
الله عليه وسلم على ما شاء من غيبه، وبيان ذلك في قوله عز وجل: (عالم الغيب فلا
يظهر على غيبه أحدا إلا من أرتضى من رسول) وقد بشر صلى الله عليه وسلم عشرة من
أصحابه بالجنة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف
وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وكذلك قال لثابت بن قيس بن شماس: "أنت من
أهل الجنة ". قال أنس بن مالك: فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه من
أهل الجنة.
[لا نـدخـل الـجـنـة
بـالـعـمـل]
ويعتقدون ويشهدون أن أحدا لا
تجب له الجنة وإن كان عمله حسنا، وطريقه مرتضى إلا أن يتفضل الله عليه، فيوجبها له
بمنه وفضله، إذ عمل الخير الذي عمله لم يتيسر له إلا بتيسير الله عز اسمه، فلو لم
ييسره له لم يهد له أبدا. قال الله عز وجل: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا
منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكي من يشاء) وفي آيات سواها.
[لـكـل مـخـلـوق أجـل]
ويعتقدون ويشهدون أن الله عز
وجل أجل لكل مخلوق أجلا، وأن نفسا لن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا، وإذا انقضى
أجل المرء فليس إلا الموت، وليس له عنه فوت، قال الله عز وجل: (ولكل أمة أجل، فإذا
جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون) وقال: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن
الله كتابا مؤجلا). ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى أجله، قال الله عز وجل:
(قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم).
[عقـيـدتـهم بنـزول الـرب
سبحانـه ومجيئـه]
ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب
سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا
تمثيل ولا تكييف بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه،
ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله . وكذلك يثبتون
ما أنزله الله عز اسمه في كتابه، من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز
وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وقوله عز اسمه:
(وجاء ربك والملك صفا صفا). وقرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل
جيلان أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى
الله عليه وسلم، وقد قال الله عز وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من
الغمام) وقال: (وجاء ربك والملك صفا صفا) ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، فلو
شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي
يتشابه إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات
محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه
منه، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم
يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) .أخبرنا أبو بكر بن
زكريا الشيباني سمعت : أبا حامد بن الشرقي يقول: سمعت أحمد السلمي وأبا داود
الخفاجي يقولان: سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبدالله بن
طاهر: يا أبا يعقوب هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا. كيف ينزل؟ قال، قلت: أعز الله الأمير، لا
يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف.حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل،
حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن
حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي، حدثنا محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك
عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبدالله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة،
فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله:
ينزل كيف يشاء " وفي رواية أخرى لهذه الحكاية أن عبد الله ابن المبارك قال
للرجل: " إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصغ له
".سمعت الحاكم أبا عبدالله يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول:
سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول: سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم بن عبدالله الرباطي
يقول: حضرت مجلس الأمير عبدالله بن طاهر ذات يوم وحضر إسحاق ابن إبراهيم يعني ابن
راهويه، فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال: "نعم " فقال له بعض قواد
عبدالله يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: " نعم " قال:
" كيف ينزل؟ " فقال له إسحاق: " أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال
الرجل: " أثبته فوق " فقال: إسحاق: قال الله عز وجل: (وجاء ربك والملك
صفا صفا) فقال الأمير عبدالله: " يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة " فقال
إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ وخبر نزول الرب كل
ليلة إلى سماء الدنيا خبر متفق على صحته مخرج في الصحيحين، من طريق مالك بن أنس عن
الزهري عن الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة. أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، حدثنا أبو
إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك. وحدثنا أبو بكر بن زكريا
حدثنا أبو حاتم علي بن عبيدان، حدثنا محمد بن يحيى قال: ومما قرأت على ابن نافع
وحدثني مطرف بن مالك رحمه الله، وحدثنا أبو بكر بن زكريا، أخبرنا أبو القاسم عبد
الله بن إبراهيم ابن باكويه، حدثنا يحيى بن محمد حدثنا يحيي بن يحيى، قال: قرأت
على مالك عن ابن شهاب الزهري، عن أبى عبد الله الأغر وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي
الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى في
كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: (من يدعوني فأستجيب
له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ".ولهذا الحديث طرق إلى أبي
هريرة، رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رحمه الله.
ورواه يزيد بن هارون وغيره من الأئمة عن محمد بن عمرو عن إلى سلمة عن أبي هريرة،
ومالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، ومالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة، وعبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبى هريرة، وعبد
الأعلى بن أبى المساور وبشير بن أبي سلمان عن أبي حازم عن إلى هريرة. ورواه نافع
بن جبير بن مطعم عن أبيه، وموسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت،
وعبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله، وعبيد الله بن أبي الدرداء عن
علي بن أبي طالب، وشريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود ومحمد
ابن كعب بن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء وأبو الزبير عن جابر وسعيد بن جبير عن
ابن عباس وعن أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهم.وهذه الطرق كلها مخرجة
بأسانيدها في كتابنا الكبير المعروف بالانتصار، وفي رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل
فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح " وفي
رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي " ثم يبسط يديه يقول: من
يقرض غير معدوم ولا ظلوم ". وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير
فينادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم
به، إلا الثقلان الجن والإنس " قال: وذلك حين تصيح الديكة وتنهق الحمير وتنبح
الكلاب. وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن ميمون عن عطاء بن
يسار عن رفاعة الجهني حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مضى
ثلث الليل أو شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل من
عبادي غير من يستغفر في فأغفر له؟ من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني أعطيه؟ حتى
ينفجر الصبح".أخبرنا أبو محمد المجلدي أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا محمد
بن يحيى حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مسم الأغر قال:
أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
أشهد عليهما أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يمهل حتى
إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟
هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى تطلع الشمس".أخبرنا أبو محمد المجلدى أنبانا أبو
العباس يعني الثقفي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة بن ثوار عن يونس بن أبي
إسحاق عن أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد وأبى هريرة أنهما قالا: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى هذه السماء،
ثم أمر بأبواب السماء ففتحت فقال: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من
مستغفر فاغفر له؟ هل من مضطر أكشف عنه ضره؟ هل من مستغيث أغيثه؟ فلا يزال ذلك
مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة منالدنيا".أخبرنا أبو محمد المجلدى أنبانا
أبو العباس يعني الثقفي، حدثنا مجاهدين موسى والفضل بن سهل قالا: حدثنا يزيد بن
هارون حدثنا سهل عن أبي إسحاق عن الأغر أنه شهد على أبى هريرة وأبي سعيد أنهما
شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كان ثلث الليل نزل
تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فقال: ألا هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى
سؤله؟ ألا هل من تائب يتاب عليه؟ ".حدثنا الأستاذ أبو منصور بن حماد، حدثنا
أبو إسماعيل بن أبي الظما ببغداد حدثنا أبو منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق
أخبرنا معمر عن سهل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسم: " ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: أنا الملك
أنا الملك ثلاثا. من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فاغفر له؟
فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر ".سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث
الذي أملاه علينا يقول سئل أبو حنيفة عنه فقال: "ينزل بلا كيف " وقال
بعضهم: "ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف، من غير أن يكون نزوله مثل نزول
الخلق، بل بالتجلي والتملي، لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما
كان منزها أن تكون ذاته مثل ذوات الخلق، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حساب ما يليق
بصفاته، من غير تشبيه وكيف.وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب
التوحيد الذي صنفه وسمعته من حامله أبي طاهر رحمه الله تعالى. باب ذكر أخبار ثابتة
السند رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة من غير
صفة كيفية النزول إثبات النزول نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، متيقن بما في
هذه الأخبار من ذكر النزول من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم
لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء - الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله عز
وجل ولم! نبئه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم،
فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذلك النزول، غير متكلفين للنزول بصفة
الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية النزول. اهـ.وأخبرنا الحاكم
أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو محمد الصيدلاني، حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد،
حدثنا أحمد بن صالح المصري، حدثنا بن وهب، أنبأنا مخرمة بن بكير عن أبيه رحمه الله
وأخبرنا الحاكم حدثنا محمد بن يعقوب الأصم واللفظ له، حدثنا إبراهيم بن حنيفة،
حدثنا ابن وهب عن مخرمة ابن بكير عن أبيه قال: سمعت محمد بن المنكدر يزعم أنه سمع
أم سلمة زوجة الني صلى الله عليه وسلم تقول "نعم اليوم يوم ينزل الله تعالى
فيه إلى السماء الدنيا قالوا وأي يوم؟ قالت يوم عرفة".و روت عائشة رضي الله
عنها عن الني صلى الله عليه وسلم قالت " ينزل الله تعالى في النصف من شعبان
إلى السماء الدنيا ليلا إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من النار بعدد شعر معز بني
كلب، ويكتب الحاج وينزل أرزاق السنة، ولا يترك أحدا إلا غفر له إلا مشركا أو قاطع
رحم أو عاقا أو مشاحنا ".أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة، حدثنا جدي الإمام حدثنا
الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي (ح) قال الإمام
وحدثنا الزعفراني عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا هشام الدستوائي (ح) وحدثنا
الزعفراني حدثنا يزيد يعني ابن هارون الدستوائي (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن
ميمون بالإسكندرية، حدثنا الوليد عن الأوزاعي جميعهم عن يحيى بن أبي كثير، عن عطاء
بن يسار، حدثني رفاعة بن عرابة الجهني (ح) قال الإمام، وحدثنا أبو هشام بن زياد بن
أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلي عن الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني هلال
بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال: صدرنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم من مكة فجعلوا يستأذنون الني صلى الله عليه وسلم، فجعل
يأذن لهم فقال النبي صلى الله عليه وسم: "ما بال شق الشجرة الذي يلي النبي
صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر، فلا يرى من القوم إلا باكيا قال يقول أبو
بكر الصديق إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبي صلى الله عليه وسم، فحمد الله
وأثنى عليه وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن
بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي
الجنة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى يؤمنوا ومن
صلح من أزواجهم وذرياتهم يساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى
شطر الليل أو قال: ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي
غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعو في فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني
فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح " هذا لفظ حديث الوليد.قال شيخ الإسلام: قلت: فلما
صح خبر النزول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر،
وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيها له
بنزول خلقه، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق، كما
أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علوا كبيرا،
ولعنهم لعنا كثيرا.وقرأت لأبى عبد الله ابن أبي جعفر البخاري، وكان شيخ بخارى في
عصره بلا مدافعة، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد
الله:- أعني ابن أبى حفص هذا- سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول:
سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم
قول الله عز وجل (وجاء ربك والملك صفا صفا)؟ قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا،
وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى لذاك، ولا ندري كيفية مجيئه، فقلت لهم: إنا
لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن
الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك إن أنكر أن الله
سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب.قال أبو عبد الله بن أبي حفص البخاري أيضا في كتابه:
ذكر إبراهيم عن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: إنا لا
نؤمن برب ينزل عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
[رؤيـة الـمـؤمنيـن ربـهـم فـي
الآخـرة]
ويشهد أهل السنة أن المؤمنين
يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة
البدر" والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية، لا للمرئي، والأخبار الواردة في الرؤية
مخرجة في كتاب (الانتصار) بطرقها.
[الإيـمـان بالجنـة و النـار و
أنهمـا مـخلوقتـان]
ويشهد أهل السنة أن الجنة
والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا يفنيان أبدا، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها
أبدا، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لايخرجون أبدا، وأن المنادي
ينادي يومئذ " يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت "
على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[الإيـمـان قـول و عمـل و يزيـد
و ينقـص]
ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان
قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق:
سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان،
فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا حماد بن سلمة عن أبى جعفر عن أبيه عن جده
عن عمر بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا
ذكرنا الله فحمدناه سبحانه فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك
نقصانه.أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المزكي، حدثنا أبي حدثنا أبو عمرو الحيري،
حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن إدريس المكي، وأحمد بن شداد الترمذي، قالوا:
حدثنا الحميدي حدثنا يحيى بن سليم: سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول
وعمل.وسألت هشام بن حسان فقال: قول وعمل. وسألت ابن جرير فقال: قول وعمل. وسألت
محمد بن مسلم الطائفي فقال: قول وعمل. وسألت سفيان الثوري فقال: قول وعمل. وسألت
المثنى بن الصباح فقال: قول وعمل. وسألت فضيل فقال: قول وعمل. وسألت نافع بن عمر
الجمحي فقال: قول وعمل. وسألت سفيان بن عيينة فقال: قول وعمل. وأخرنا أبو عمرو
الحيري، حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن إدريس سمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن
عيينة يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا
محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي بل ينقص حتى لايبقى منه شيء.وقال الوليد بن
مسلم: سمعت الأوزاعي ومالكا وسعيد ابن عبد العزيز ينكرون على من يقول: إقرار بلا
عمل. ويقولون لا إيمان إلا بعمل، فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكمل إيمانا،
ومن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة فإيمانه ناقص.وسمعت الحاكم أبا
عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن باكويه الحلاب يقول: سمعت أبا
بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد
الله بن طاهر: يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلا، وأنا أبغضهم عن معرفة. أولا:
إنهم لا يرون للسلطان طاعة الثاني: إنه ليس للإيمان عندهم قدر، والله لا أستجيز أن
أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا
كإيمان جبرائيل وميكائيل.وسمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانيء يقول: سمعت أبا بكر
محمد بن شعيب يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قدم ابن المبارك الري
فقام إليه رجل من العباد، الظن أنه يذهب مذهب الخوارج، فقال له: يا أبا عبد الرحمن
ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال لا أخرجه من الإيمان، فقال: يا أبا عبد
الرحمن على كبر السن صرت مرجئا؟ فقال: لا تقبلني المرجئة. المرجئة تقول: حسناتنا
مقبولة، وسيئاتنا مغفورة، ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة، ثم ذكر
عن أبي شوذب عن سلمة بن كهيل، عن هذيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح.سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله
بن محمد بن زكريا الشيباني يقول: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت محمد بن
إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الحسين بن حرب أخا أحمد بن حرب الزاهد يقول: أشهد أن
دين أحمد بن حرب الذي يدين الله به أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
[لا يـكـفـر أحـد مـن
الـمـسـلميـن بكـل ذنـب]
ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن
أذنب ذنوبا كثيرة صغائر وكبائر فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب
منها، ومات على التوحيد والإخلاص، فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه،
وأدخله الجنة يوم القيامة سالما غانما، غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه
واكتسبه، ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عفا عنه وعذبه
مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، بل أعتقه واخرجه منها إلى نعيم دار
القرار.وكان شيخنا سهل بن محمد رحمه الله يقول: المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه
لا يلقى فيها إلقاء الكفار، ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء
الكفار. ومعنى ذلك أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوسا في
السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلى في النار فإنه يدخل
النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل من غير إلقاء وتنكيس. ومعنى قوله
"لا يلقى في النار إلقاء الكفار " أن الكافر يحرق بدنه كله، كلما نضج
جلده بدل جلدا غيره، ليذوق العذاب كما بينه الله في كتابه في قو له تعالى (إن
الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها
ليذوقوا العذاب) وأما المؤمنون فلا تلفح وجوههم النار، ولا تحرق أعضاء السجود
منهم، إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده. ومعنى قوله: "لا يبقى في النار
بقاء الكفار " أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبدا، ولا يخلد الله من
مذنبي الـمؤمنين في النار أحدا. ومعنى قوله: " لا يشقى بالنار شقاء الكفار
" أن الكفار ييأسون فيها من رحمة الله، ولا يرجون راحة بحال، و أما المؤمنون
فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال، و عاقبة المؤمنين كلهم الجنة، لأنهم
خلقوا لها و خلقت لهم فضلا من الله و منـة.
[حـكـم تـارك الـصـلاة عـمـداً]
واختلف أهل الحديث في ترك
المسلم صلاة الفرض متعمدا، فكفره بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف،
وأخرجوه به من الإسلام، للخبر الصحيح: " بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن
ترك الصلاة فقد كفر" وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف رحمة الله
عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقدا لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما
يستوجبه المرتد عن الإسلام، وتأولوا الخبر من ترك الصلاة جاحدا كما أخبر سبحانه عن
يوسف عليه السلام أنه قال: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم
كافرون) ولم يك يتلبس بكفر فارقه، ولكن تركه جاحدا له.
[خـلـق أفـعـال الـعـبـاد]
ومن قول أهل السنة والجماعة في
أكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين
الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء،
لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل (قل: فلله الحجة
البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين) وقال: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن حق
القول مني) الآية وقال: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) الآية. سبحانه
وتعالى خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فرقتين، فريقا للنعيم فضلا، وفريقا
للجحيم عدلا، وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، وقريبا من رحمته، وبعيدا، لا
يسأل عما يفعل وهم يسألون.أخبرنا أبو محمد المجلدي أخبرنا أبو محمد العباس السراج
حدثنا يوسف عن موسى أخبرنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود
قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن خفق أحدكم
يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك،
ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات، رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، فو الذي نفسي
بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه
ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق