الصوفية بين الماضى والحاضر: اسباب اختلاف الامه

السبت، 18 مايو 2013

اسباب اختلاف الامه


أدب الاختلاف في العقائد عند أهل السنة والجماعة
للدكتورة: إحسان بنت عبد الغفار عبد الله مرزا 
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
(وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الذي قد يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم يشترك في إثم، ولهذا قيل: (إن الله يُقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يُقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة: ويُقال: إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام  ).
إنه في هذا العصر يحتاج المسلم الرجوع إلى منهج أهل السنة في الحكم على الأشخاص ليزن الأمور كلها بميزان القسط.
حيث أصبحت الأهواء هي التي تتحكم بالآراء والتوجيهات، حتى إن الإنسان قد يتغاضى عن أخطاء من يُحب مهما كانت كبيرة ويُبررها بل قد تتحول هذه الأخطاء إلى محاسن، وفي المقابل تراه إذا أبغض أحدًا - لهوىً في نفسه أو تقليدًا لغيره - جرَّده من جميع الفضائل، ولم ينظر إلاّ إلى سيئاته وزلاته يفخمها وينسى أو يتناسى محاسنه الأخرى مهما كانت بيّنة، وليس هذا الاضطراب في تقويم
الرجال فحسب، بل تعداه إلى عالم الكتب، فبعضهم إذا رأى خللاً في كتاب ما، رماه جميعه وضرب به عرض الحائط وشنع على مؤلفه وعلى من اقتناه أو قرأه، وهو يغفل إغفالا شديدًا عن الجوانب الإيجابية التي قدمها المؤلف، أو العكس يكون لو ارتضى كتابًا أو مؤلفًا.
فعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
ولم يقف هذا الخلل الفكري عند هذا الحد فحسب، بل تعداه إلى ما هو أعظم منه من التنازع والتقاطع بل البغي، فتفرقت كلمة الصالحين في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى الترابط والتآلف.
يقول ابن تيمية : " وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب  وهذه من صفات أهل البدع كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
"فإن أكثرهم - أي أصحاب المقالات  - قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدًا معذورًا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيئ القصد ليس له علم ولا حُسنقصد فيُفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله. وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا، وهذا عدونا وبلغة المغل هذا (بال)، وهذا (باغ)، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله. ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس .. 

وحَّد الرسول صلى الله عليه وسلم القلوب وانطلقت هذه الأمة لتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأبرز عوامل تفرقها هو الاختلاف والابتداع.
 وقرر شيخ الإسلام هذا المعنى فقال: " البدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة
مقرونة بالجماعة".
وخصائص منهج أهل السنة والجماعة يقوم على تأليف القلوب وتوحيد الكلمة ومعالجة التصدع والتفرق، 
وأهل السنة كانوا يختلفون فيما بينهم على المسائل العلمية والعملية، ولكنهم يضبطون سلوكهم - مهما كان حجم الخلاف - بأدب الاختلاف من الود والألفة والاحترام المتبادل في الإطار الأساسي وهو المحافظة على الجماعة.
يقول شيخ الإسلام :
"تعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وإصلاح ذات البين 
إن عدم التركيز على ثوابت الإسلام وأهمها تأليف القلوب جعلنا نهتم بالوسائل وننسى الغايات، " إن المشكلة التي نعاني منها اليوم هي ضعف فهمنا لمرامي ما نعلم وقصور إدراكنا للغايات، كما أننا افتقدنا الموجه الصحيح الذي يمنحنا السلامة، لقد اكتسبنا المعرفة وافتقدنا خُلقها، وامتلكنا الوسيلة وضيعنا الهدف والغاية، وما أكثر ما فوتت خلافاتنا حول مندوب أو مباح أمرًا مفروضًا أو واجبًا أو غاية  عظمى، لقد أتقنا فن المبارزة والمحاججة والخلاف وافتقدنا آدابه وأخلاقياته فسقطنا فريسة سهلة للتآكل الداخلي والتنازع الذي أورثنا حياة فاشلة. 
لقد قص الله علينا تاريخ أهل الأديان السابقة للعبرة والحذر وجلا لنا أسباب التدهور قال تعالى: ﭘ  وعدَّ سبحانه الخلاف الذي يؤدي إلى الافتراق ابتعادًا عن هدى النبوة 
ذلك أن أهل الكتاب لم يؤتوا من قلة علم وضآلة معرفة إنما كان هلاكهم لأنهم استخدموا ذلك العلم للبغي بينهم،
فهل ورثنا علل أهل الكتاب بدل أن نرث الكتاب؟ وهل ورثنا البغي بدل أن نرث العلم وأخلاقه؟ إن من الناس من يلتزم بأخلاق طلبالعلم عند من يوافقهم الرأي والمذهب، أما من خالفهم فهم يسيئون الظن ويحقدون ويفعلون ويفعلون، أليست هذه أخلاق اليهود التي حذرنا الله منها 
إن الاختلاف في وجهات النظر أمر طبيعي فطري وله علاقة بالفروق الفردية، وكلٌ مُيسَر لما خُلِق له، وإلا لما كان الإيمان درجات والجنة درجات، ومما يؤسف له أن يتحول الاختلاف من ظاهرة صِحّيَّةٍ تعطي العقل خصوبة وسعة اطلاع إلى مرض عضال وسم زعاف أدى إلى التآكل والتفتت، حتى أصبح البعض يُعامل إخوانه الذين يلتقون معه على أصول العقيدة كأنهم أعداؤه وسبب هذا عجزه عن النظرة الكلية والرؤية الشاملة فيضيق ذهنه على جزئية صغيرة يضخمها ويكبرها إلى درجة أنه لا يمكن أن يرى معها شيئًا آخر أو يقبل إنسانًا يخطئه فيها فيُوالي عليها ويُعادي عليها، قال تعالى:.
قد تنقلب الآراء الاجتهادية والمدارس الفقهية التي محلها النظر والاجتهاد على أيدي المقلدين العوام إلى ضرب من التخريب الفكري والتعصب، إن السلف الصالح اختلفوا لكنهم لم يتفرقوا؛
لأن وحدة القلوب والغايات أكبر من أن ينال منها شيء، فالرجل الذي بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة واستقل الصحابة عمله هو رجل ينام وليس في قلبه غل على مسلم، العالم الإسلامي اليوم 87 دويلة أو يزيد والاختلافات بينهم لا يعلم مداها إلا الله وخاصة بين العاملين وطلاب العلم.
إن هناك أناسًا ينفون الاختلاف أصلاً ويُنكرون آداب هذا العلم وأن تدريس مثل هذا تأصيل للخلاف، وهذه غفلة تصل لحد نسيان البدهِيَّاتِ وقد قال علي رضي الله عنه: " ما جاء إليَّ عالم إلا غلبته وما جاءني جاهل إلا غلبني 
كل هذه الأمور استدعتني لأن أكتب في هذا الموضوع - الذي لست أنا بدعًا فيه - بل قد سبقني علماء أفاضل أفاضوا في هذا العلم الذي يعتبر من العلوم المجهولة رغم أهميته، وإن فاتني شيء أو أخطأت في أمور فطبيعة البشر الخطأ والنسيان ، وأرجو من الله العفو والغفران، وإن أصبت ففضل ومنة من الله تعالى. هذا وقد جاء البحث في مقدمة وفصلين وستة مباحث وخاتمة تحتوي على أهم النتائج والتوصيات كما يلي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق