الصوفية بين الماضى والحاضر: المنهج الصوفى معتمد من رسول الله

الأحد، 19 مايو 2013

المنهج الصوفى معتمد من رسول الله

سؤال : هل كان هناك صوفية فى عهد الصحابة ؟
]*************************
الجواب:   كتر الكلام عن مصد ر كلمة الصوفية  وخلاصة القول  ان التصوف منهج ممتد من زمن الصحابة الكرام 
وهو منهج خاص اختص به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة الكرام دون غيرهم  ولا يمنع هذا المنهج باقى المناهج التى كان رسولنا الكريم يربى بها اصحابه * يقول الإمام الحافظ أبو نعيم    الأصبهاني فى (كتابه حلية الأولياء وطبقات الأصفياء)

* قال الشيخ : قد ذكرنا بعض أحوال فريق من نساك الصحابة وعبادهم ، وأقوال جماعة من أئمة الصحابة وأعلامهم من المشتهرين بالمعبود وذكره ، المشغوفين بالفرد ووده . الذين جعلوا للعارفين والعاملين قدوة ، وعلى المفتونين بالدنيا والمقبلين عليها حجة . ونذكر الآن مستعينين بالله شأن أهل الصفة وأخلاقهم وأحوالهم وتسمية من سمي لنا اسمه بالأسانيد المشهورة ، والشواهد المذكورة . 

وهم قوم أخلاهم الحق من الركون إلى شيء من العروض ، وعصمهم من الافتتان بها عن الفروض . وجعلهم قدوة للمتجردين من الفقراء ، كما جعل من تقدم ذكرهم أسوة للعارفين من الحكماء . لا يأوون إلى أهل ولا مال ، [ ص: 338 ] ولا يلهيهم عن ذكر الله تجارة ولا حال ، لم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا ، ولا يفرحون إلا بما أيدوا به من العقبى . كانت أفراحهم بمعبودهم ومليكهم وأحزانهم على فوت الاغتنام من أوقاتهم وأورادهم ، هم الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، ولم يأسوا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما أتاهم . حماهم مليكهم عن التمتع بالدنيا والتبسيط فيها ; لكيلا يبغوا ولا يطغوا ، رفضوا الحزن على ما فات من ذهاب وشتات ، والفرح بصاحب نسب إلى بلى ورفات


حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا يسار ، ثنا جعفر ، يعني ابن سليمان - ثنا ثابت البناني ، قال : كان سلمان في عصابة يذكرون الله عز وجل ، قال : فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا فقال : ما كنتم تقولون؟ فقلنا : نذكر الله يا رسول الله ، قال : قولوا فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ، ثم [ ص: 343 ] قال : " الحمد لله جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " . رواه مسلمة بن عبد الله عن عمه ، عن سلمان مطولا في قصة المؤلفة ، ذكرناه في نظائره في كتاب شرف الفقر . 

قال الشيخ رحمه الله : والمتحققون بالفقر من الصحابة وتابعيهم إلى قيام الساعة أمارة وأعلام الصدق لهم شاهرة ، وبواطنهم بمشاهدة الحق عامرة ; إذ الحق شاهدهم وسائسهم . والرسول صلى الله عليه وسلم سفيرهم ومؤدبهم ، وحق لمن أعرض عن الدنيا وغرورها ، وأقبل على العقبى وحبورها ، فعزفت نفسه عن الزائل الواهي ، ونابذ الزخارف والملاهي ، وشاهد صنع الواحد الباقي ، واستروح روائح المقبل الآتي من دوام الآخرة ونضرتها ، وخلود المجاورة وبهجتها ، وحضور الزيارة وزهرتها ، ومعاينة المعبود ولذتها ، أن يكون بما اختار له المعبود من الفقر راضيا ، وعما اقتطعه منه ساليا ، ولما ندبه إليه ساعيا ، ولخواطر قلبه راعيا ، ليصير في جملة المطهرين ، ويحشر في زمرة الضعفاء والمساكين ، ويقرب مما خص به الأبرار من المقربين ، فيغتنم ساعاته عن مخالطة المخلطين ، ويصون أوقاته عن مسالمة المبطلين ، ويجتهد في معاملة رب العالمين ، مقتديا في جميع أحواله بسيد السفراء والمرسلين 
 *  اذن أخى الكريم اتضح لك الامر  ان المنهج الصوفى معتمد من المدرسة المحمديه فى جملة من المناهج التى اقرها الرسول الكريم لصحبه الكرام 
 * وهم قوم كما وصفهم  احد افراد المنهج سيدنا ابو هريرة رضى الله عنه 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل قال : من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه [ ص: 5 ] الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، فلئن سألني عبدي أعطيته ، ولئن استعاذني لأعذته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره إساءته أو مساءته . 

وفال احد تلاميذ المنهج  ، عن ابن عمر ، قال : وجد عمر بن الخطاب معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قاعدا عند قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : يبكيني شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن يسير الرياء شرك ، وإن من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة . 

 *  واعلم أن لأولياء الله تعالى نعوتا ظاهرة ، وأعلاما شاهرة ، ينقاد لموالاتهم العقلاء والصالحون ، ويغبطهم بمنزلتهم الشهداء والنبيون . وهو ما حدثنا محمد بن جعفر بن إبراهيم ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا مالك بن إسماعيل وعاصم بن علي ، قالا : حدثنا قيس بن الربيع ، حدثنا عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن عمرو بن جرير ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل . فقال رجل : من هم وما أعمالهم ؟ لعلنا نحبهم . قال : قوم يتحابون بروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها بينهم ، والله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس . ثم قرأ : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . 

  * واستمر المنهج فى التابعين وتابع التابعين من الامناء والاصفياء 
 أنهم المسلمون من الفتن الموقون من المحن 
 عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن لله عز وجل ضنائن من عباده ، يغذيهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، إذا توفاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها في عافية " . 

  *  عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، والأبدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ، ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه ، وأدخل من الأربعين مكانهم " قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم . قال : " يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل " .    
وهذه اوصاف  الطائفه الى يو م الدين 
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم ، حدثنا العباس بن يوسف الشكلي ، حدثني محمد بن عبد الملك ، قال : قال عبد الباري : قلت لذي النون المصري رحمه الله : صف لي الأبدال ، فقال : إنك لتسألني عن دياجي الظلم ، لأكشفنها لك عبد الباري ، هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم تعظيما لربهم عز وجل ، لمعرفتهم بجلاله ، فهم حجج الله تعالى على خلقه ، ألبسهم النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته ، وطهر أبدانهم بمراقبته ، وطيبهم بطيب أهل مجاملته ، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رءوسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب فهي معلقة بمواصلته ، فهمومهم إليه ثائرة ، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة . قد أقامهم على باب النظر من قربه ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ، ثم قال : إن أتاكم عليل من فقري فداووه ، أو مريض من فراقي فعالجوه ، أو خائف مني فآمنوه ، أو آمن مني فحذروه ، أو راغب في مواصلتي فهنئوه ، أو راحل نحوي فرودوه ، أو جبان في متاجرتي فشجعوه ، أو آيس من فضلي فعدوه ، أو راج لإحساني فبشروه ، أو حسن الظن بي فباسطوه ، أو محب لي فواظبوه ، أو معظم لقدري فعظموه ، أو مستوصفكم نحوي فأرشدوه ، أو مسيء بعد إحسان فعاتبوه ، ومن واصلكم في فواصلوه ، ومن غاب عنكم فافتقدوه ، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه ، ومن قصر في واجب حقي فاتركوه ، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه ، ومن مرض من أوليائي فعودوه ، [ ص: 13 ] ومن حزن فبشروه ، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه . 

قال الشيخ رحمه الله : فمباني المتصوفة المتحققة في حقائقهم على أركان أربعة : معرفة الله تعالى ، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله ، ومعرفة النفوس وشرورها ودواعيها ، ومعرفة وساوس العدو ومكائده ومضاله ، ومعرفة الدنيا وغرورها وتفنينها وتلوينها ، وكيف الاحتراز منها والتجافي عنها ، ثم ألزموا أنفسهم بعد توطئة هذه الأبنية دوام المجاهدة ، وشدة المكابدة وحفظ الأوقات ، واغتنام الطاعات ، ومفارقة الراحات ، والتلذذ بما أيدوا به من المطالعات ، وصيانة ما خصوا به من الكرامات ، لا عن المعاملات انقطعوا ، ولا إلى التأويلات ركنوا ، رغبوا عن العلائق ، ورفضوا العوائق ، وجعلوا الهموم هما واحدا ، ومزايلة الأعراض طارفا وتالدا . اقتدوا بالمهاجرين والأنصار ، وفارقوا العروض والعقار ، وآثروا البذل والإيثار ، وهربوا بدينهم إلى الجبال والقفار ، احترازا من موامقة الأبصار ، أن يومى إليها بالأصابع ، ويشار لما أنسوا به من التحف والأنوار ، فهم الأتقياء الأخفياء والغرباء النجباء ، صحت عقيدتهم فسلمت سريرتهم . 

وفى النهاية هم قوم يحبون اخوانهم المسلمين  على اختلاف مناهجهم ومزاهبهم 

ولم يهاجم التصوف الافى العصر الذى نعيشه لانه اصبح الدين ستار للحياة السياسية 
 وعليك اخى البار  الاجتهاد في سد باب الذرائع والفتن 
*********************************

 ان إراحة أَفكار المسلمين من الاشتغال بما يضر ولا ينفع ، الأَمر الذي سبب فرقة المسلمين ، ووقوع العداوة والشحناء بينهم وأنساهم ذكر الله والعمل بكتابه ، بل وأَنساهم ذكر الموت وما بعده ، وجعل غير المسلمين يظنون أَن الدين الإسلامي.

1-      إن أول بلاءٍ حصل للمسلمين ، وأعظم دسيسة دسها إبليس بيننا هي شواظ نار التفاضل ، ظهرت تلك الفتن في عصر الصحابة – رضوان الله عليهم- ولكنها كانت بابا من أَبواب التنافس في المسارعة إلى الخير ، فكانوا في عصر رسول الله   يفضلون أَبا بكر فعمر فعثمان ، ويسمع ذلك رسول الله   فلا ينكر عليهم ، ولكن الشيطان – لعنة الله عليه – يئس أَن يعبده من قال : "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ، أَو أَن يعبد المسلم غير الله ، فشد خيله ورجله ؛ ليوقع بينهم العداوة والتفرقة والاختلاف في الرأي والفكر ، فَدسَّ – بعد انتقال رسول الله   إلى الرفيق الأَعلى – دسيسة التفاضل بينهم – رضوان الله عليهم -، - واشتد التعصب من كل فريق لمن فضِّله ، حتى تفرقت الجماعة ، وتشعب الأَصل الواحد ، واختلفت الآراء والمذاهب والاعتقادات ، وإن كان أَكثر الخلاف لفظيا ، إلا أنه أَثر في قلوب العامة ، فكان مَانعْلمْ ، بعد خلافة سيدنا عمر رضى الله عنه وحتى الآن بولكن كيف تتالف القلوب إلى الاجتماع بعد الفرقة ، والائتلاف بعد الاختلاف .

 أيها الحاكمين بأَن فلانا أَفضل من فلان ، هل كان حكمكم هذا قائما على ما عند الله؟ أَم كان قائما علي ما عند أَنفسكم؟ فإِن كان قائما على ما عند الله تعالى فذلك مالا يحكم به إِلا الله تعالى ، وإن كان قائما على ما عند أَنفسكم فهذا شيء خاص بأَنفسكم ، قد يكون عن حظ وهوى – وتكون الحقيقة عند الله غير ذلك - ، فإِن كان حقا : حصلت لكم النجاة ، ولم يأْمركم الله بأَن تدعوا الناس إلى اعتقاد أَن فلانا أَفضل من فلان ، لأن ذلك ليس من الدين في شيء. وإن كان باطلا : أَرحتم أنفسكم من تحمل عقوبة الدعوة إلى الباطل ، وقد نهانا رسول الله   أَن نحكم على الله بأَن هذا من أَهل الجنة ، أو ما أَشبه ذلك ، بأَن نقول : نحسب أَنه كذا ، وقد سد رسول الله   هذا الباب سدا محكما بأَجلى مظاهر المبالغة فيه بقوله   : "لاَ تفضلوني عَلَى يُونِس بْن مَتَّى" ، تنبيها لقلوب المؤمنين إلى أن الاشتغال بمثل هذا مفسدة للدين. وإنما أَنت – أَيها الأَخ البار – عليك أَن تقتدي بالعلماءِ ، وتجتهد لأَن تصل إلى مقاماتهم العلية ، وتفوز بمشاهدهم القدسية ، وتتجمل بأَحوالهم الروحانية ، وتتعلم علومهم الربانية ، لا لتشغل نفسك بتفضيل زيد على عمرو ، وبكر على خالد ، لأَنك بذلك حرمت المسارعة إلى الخير ، والمبادرة إلى الغنيمة ، والمعاونة على البر والتقوى ، واشتغلت بما لاينفع ، وما الذي ينتفع به منك منْ أَنت تفضله على غيره ، اللهم إلا فتح باب المضرة عليه ، وتمكين الشيطان من قلوب المسلمين ، وربما أدى ذلك إلى مالا يرضاه الله تعالى ورسوله  . أيها الشيع المتفرقة ، والطوائف المختلفة : أَليست تجمعنا جميعا كلمة التوحيد ، ويجمعنا الإيمان بالقرآن ، والتصديق برسول الله   ، وأعمال أركان الإسلام الخمس ، والإيمان بيوم الحساب ، فما بالنا : كلنا واحد في الأُصول ، والمرجع ، والإيمان والإسلام ، فما الذي فرقنا؟ ؟ إننا لم نتفرق لاختلاف في ديننا ، ولا لتفاوت في كتابنا موجب للإختلاف ، ولا لأَن نبينا أَخفى علما عن جماعة ، وأظهره لآخرين ، لا : والله إنما التفرقة لجهل بالله سبحانه ، وبرسوله   ، وبكتابه وسنة نبيه ، ولطمع في الدنيا ، ورغبة العلو فيها ، وأمل في البقاءَ الفاني ، ومنافسة في السيادة والمجد والشرف.قف أيها القلم ، لا تتجاوز – وأَنت تكتب في الأَدب – حدود الأَدب . هذا ما أنتجه الاشتغال بالتفاضل . وهناك أَسباب أُخرى تليه ، ليست بأقل منها، أَوجبت التفرقة والنفور ، والعداوة والشحناءَ ، ما هي ؟ وممن هي؟ هي فتح باب الفتن بالتكلم فيما سكت الله عنه ، وسكت عنه رسوله : رحمة بالمسلمين ، فلم يحرمها وأخبر  أَن الورع اتقاؤها ، فلم يحكم بحرمتها ، لأَن الورع من أَخص صفات المؤمنين ، ومن أَعمال القلوب التي يهب الله عليها رضوانه الأَكبر.

وأَما الذي قام بفتح باب الفتن فهم أَدعياءُ تحصلوا على قشور من أَحكام الشريعة المطهرة ، فلم تقع بهم عين اليقين على حقيقة العلم ، ولم يطلعوا على حكمة الأَحكام ، ولم يذوقوا حلاوة لب اللباب ، ولم يعلموا أَن محل نظر الله تعالى : القلوب ، وأَن الخير كله في عملها ، وأَن القرب كله متوقف على التخلق بأخلاق الله ، والتشبه بالروحانيين من عمَّار ملكوت الله ، فتركوا الجواهر تحت أقدامهم ، وانصبوا بكليتهم على فتح أَبواب الشبه والتي أجملها فيما يلي:

1- التشنيع على الذكر والذاكرين : خذ لك مثلا أو مثالا ... إن هؤُلاء الأَدعياء إِذا رأوا جماعة يذكرون الله في بيت من بيوته ؛ قاموا فذمُّوا ، وحكموا أَن ذلك من البدع وإِذا سمعوا رجلا أعجميا فيهم لا يحسن النطق بكلمة التهليل ، أو بالاسم الشريف ، أو سمعوهم يلحنون في النطق بالذكر : قاموا فرموهم بالضلال والبدعة ومخالفة الشريعة ، وكان الأَولى بهم لو كانوا علماءِ حقيقة – أن يعتقدوا أَن اجتماع هؤلاءِ على ذكر الله ، واشتغالهم به عما سواه : دليل على طمأنينة قلوبهم بذكر الله ، كما قال تعالى :  أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(19). فجلسوا معهم ليتعلموا منهم طمأْنينة القلب الذي هو جوهر الدين ، وروح الإِيمان، ويعلمونهم بلطف ورحمة اعتدال اللسان ، الذي هو قشور بالنسبة لعمل القلوب. ولكنهم لقلة علمهم ، وجهلهم بحقيقة العلم ، فتراهم يمرون عليهم مر السحاب إلى بيوتهم ، ويتناولون القلم الذي هو سيف الفساد ، ويسودون الصحف بالقذف والسب واللعن ، حتى ينفروا منهم أهل التسليم الذين لو أَلفوهم لكانوا أَئمة، لتسليمهم وصدقهم وإخلاصهم وتواضعهم ، فينتج من ذلك : أن الذاكرين يكرهون العلماءِ ، ويرون أن العلماء أَعداء الطريق وأَهله، فتحصل التفرقة بين العلماءِ وبين المؤهلين للعلم من أهل التسليم ،وما ذلك إلا من عمل الجهلاءِ المغرورين بما تحصلوا عليه من قشور العلم.

2- الإنكار على قراءة القرآن في بيوت الله : مثال آخر : إذا جلس رجل في بيت من بيوت الله يقرأ سورة الكهف : قاموا فأنكروا عليه ، ورموه بأن ذلك بدعة وضلالة ، وسبوه وقذفوه ، فهؤلاء جعلوا قراءَة القرآن في المسجد منكرا ، وجعلوا الإصغاء له بدعة وضلالة ، مع أَن الصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا يتدارسون القرآن في المسجد على عهد رسول الله . ولنفترض أن الصحابة لم يقرءوا سورة الكهف في المسجد يوم الجمعة ، وأَنها بدعة ، فكم من بدعة هي حسنة من الحسنات ، وكم أَحدث سيدنا ومولانا أبو بكر ، وسيدنا ومولانا عمر بن الخطاب ، وسيدنا ومولانا عثمان ابن عفان : بدعا ، هي عين السنة ، وما رآه المسلمون حسنا فهو حسن.

3- ترك الحكمة في الدعوة والموعظة الحسنة في الإرشاد : فهؤلاء المدعون : تركوا الحكمة في الدعوة ، والموعظة الحسنة في الإرشاد ، وفتحوا أَبواب الشر على المسلمين ، وشغلوهم بما يضر ولا ينفع. إذا رأَوا رجلا تعلم الواجب عليه من الدين ، ومنّ الله عليه بعلوم اليقين: كالحب والإخلاص والصدق والخشوع والرغبة والطمع والرجاءَ والخوف واليقين الحق بالتوحيد ، ومنحه الله الحكمة التي يمكنه أَن يبينها ولكن بعبارة ليست بليغة أو ليست موافقة للنحو والصرف ولكنها تؤثر في القلوب لأَنها صادرة من القلوب .. قاموا عليه فرموه بأنه جاهل ، وبأنه كافر ، كأَنهم يرون أَن العلم كله هو علم اللسان ، ولا علم غيره. أَنا أَشاركهم في أَن مَنْ وهبهم الله تلك المنن ، وأقامهم مقام الدعاة إلى الله ؛ فالأجمل بهم أن يحصّلوا ما لابد منه من علوم اللسان ، ولكنى أَعتقد أَن صغير مواهبهم أَجل وأَعظم مما اكتسبه هذا المغرور بقشور العلم.

4- الوقوع في أكبر الكبائر حال الدعوة إلى ترك مكروه أو عمل مندوب : وقد تشتد حماقة الرجل منهم وغضبه على أمر هين - كترك العذبة ) - حتى يقع في أكبر الكبائر حال دعوته إلى ترك (مكروه ، أو عمل مندوب ، وهو لا يشعر ، وربما حكم بتحريم شيء وهو لا يميز بين معنى الحلال والحرام ، وقد يحكم بنجاسة شيء وهو لا يميز بين الأنواع الطاهرة والأنواع النجسة ، بل ولا يميز الفرق بين نوع صفة النجاسة ، والطهارة ، وكل ذلك من جهله بأسرار السنة ، ومن جهله بنفسه ، وجهله بقدر علمه. وقد كان البلاء منهم على المسلمين أَشد من بلاءِ الأَعداء على المسلمين ، فإِنهم شغلوا المسلمين بالوقيعة ، وملأُوا قلوبهم ضغائن ، وجعلوا الصغار يحقرون السلف الصالح والكبار يحقرون كبار أهل عصرهم.

5- مخالفة رسول الله  في أخلاقه وسنته في الدعوة : مثال آخر : ما يحصل من بعض مِنْ نصبوا أَنفسهم للإرشاد ، أو انتسبوا للعلم : عند الأمر بالمعروف ، أو النهى عن المنكر من شدة ألفاظه في الأخلاق ، والغلظة في الطباع ، والسخف في القول : متذرعا بحجة أن هذا من الدين ، وأَن هذه نصيحة ، وأن هذه الطريقة الشرعية التي أمر الله بها ، ويجهلون أنهم وقعوا في كبائر لا تحصى منها: مخالفة رسول الله  في أخلاقه ومخالفة سنته في الدعوة ، وتنفير عباد الله ، ووقوعهم في بغض الدين وبغض أهله ، وظنوا أنهم أحسنوا ، وربما كان الذي يدعون إليه من الأُمور المرغّب فيها خلاف الأولى ، أو كان الذي ينهون عنه أَيضا خلاف الأولى . فعجبا ، كيف يلقى الإنسان بنفسه في الهاوية وهو يظن أنه يحسن عملا ؟ وما ذلك إلا من جهله.

ومن الدعاة الجهلاء من يجلسون في وسط العامة فيذكرون اسم وليّ من أولياءَ الله ، ويبثون عنه الأقاصيص ،التي توهم أنه ينفع ويضر ، وأن من اتبعه يكثر ماله وولده ، وأَن من زار قبره تقضى حوائجه ويموت أعداؤه ، ويذكرون لهم من الكرامات ما هو حق وباطل ، حتى يرغب فيه الناس ، فيكون الضرر بذلك من جهتين : من جهة أَنهم يتبعون طريقه لعاجل فان ، فيكونون ممن يعبدون الله على حرف ، ومن جهة أخرى فإنهم يتبعونه لينتفعوا به من الجهة التي لا يمكنه أَن ينفع نفسه ولا غيره بها ؛ لأَن النافع هو الله ، ويُحرَمون النفع به من الجهة التي يَنفَع منها ، لأن الله أقامه سببا للنفع ،وهى جهة تلقى العلوم ، وفهم فقه القرآن الشريف ، وتزكية النفس ،وفهم أَسرار التوحيد ، وكشف حكم الأحكام ،والتجمل بعلوم اليقين: مما به السعادة الأبدية ، التي لا تُذكر الدنيا في جانبها بشئ ، إلا كما يُذكر العدم مع الوجود. وقد يحصل ضرر ثالث – بالإضافة إلى الضررين السابقين يقل عن هذين الضررين، وهو أَن يكون الرجل الذي يدعون إليه متوفى وليست له كتب علمية ينفع بها من يقتدي به ، فيحصل الضرر لمن اتبعه بحرمانه من طلب الرجل العالم الذي جعله الله نورا ، فيُحرم من الانتفاع بعلمه ، والاقتداء بعمله. وقد كثرت تلك الطوائف ، وعم الضرر بهم ، حتى صار أكثر العامة إذا اتبع طريقا فكثر ماله وولده : فرح ، واعتقد أَن هذا من إتباعه للطريق . وإن قل ماله : تشاءم ، وقال : هذا من الطريق ، كما حصل في عصر رسول الله ، من الذين أنزل الله في حقهم قوله تعالى :  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ( ).

كلنا – جماعة المسلمين – نعتقد أن الرجل العالم العامل إذ دعا إلى الله على بصيرة ، وأقام حجج الله للقلوب فاطمأنت ، وللنفوس فتزكت ، وللأبدان فنشطت : أكرام الله من اتبعه ، بمعنى قوله تعالى :  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ( ) . فإن الله تعالى يكرم من اتبع ، العالم العامل بأَن يشرح صدره ، وييسر أمره ، ويمنحه الصبر واليقين . لأن الرجل يدعو إلى التوحيد الخالص ، والأَعمال الواجبة والمسنونة ، ومكارم الأخلاق ، ويدعو لحسن المعاملة.

وأنوار التوحيد إذا أشرقت على قوم اطمأنت قلوبهم بربهم ، فَرَضُوْا عنه ، لكمال توحيدهم ، وصبروا لكمال إيمانهم. فالواجب على من دعته نفسه أَن يقوم داعيا إلى الله : أن يدعوها أولا هي إلى الله ، فإِن أَطاعته ؛ ألزمها أن يتعلم ما لابد منه من معرفة الطريق ، ويتحصل على ما لابد منه من الزاد والراحلة بالعلم والخلق والعمل ، فإذا أطاعت وحَصّلت : فليطالبها بالإخلاص ، والرحمة بجميع الناس ، فإن قبلت : بحث فإن علم برجل أعلم منه بالله ، وبأَحكامه ، وبأَيامه ، وأَحاط علما بسنن رسول الله   : فَلْيَسْعَ إليه ، ولو بالصين، ليزداد علما ، ويكمل خلقا ، ويزكو نفسا ، ثم بعد ذلك يقوم فيدعو بالتي هي أَحسن.

وبعض من ينتسبون إلى العلم أو للطريق يجعلون العلم أو الطريق بابا من أبواب طلب الدنيا ، حتى تكون أَعمالهم الواجبة ليست لله ، ولكنها تصير تزيناً للتوسع في الدنيا. فعلى الذين منحهم الله النشاط للسياحة في الأَرض ، ووهب لهم لسان الحكمة : أَن يطهروا قلوبهم لله عند دعوة إخوانهم إلى الله عن أن يكون العمل لعرض يفنى ، أو غرض يزول ، ولْيتحققوا أَن هذا العمل الشريف هو عمل الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم ، ولْيغاروا على قلوبهم وأَبدانهم أَن تستبدل برضوان الله وفردوسه الأَعلى ومعية النبيين والصديقين والشهداء: متاعاً يفنى وتبقى عقوبته ، وعرضا يزول وتبقى تبعته ، إِن هذا هو الخسران المبين. إن المرشد الذي جعل الله له نورا في قلبه ، وآتاه الله من لدنه علما ، ووهب له لسان الحكمة ، ومواهب المعرفة : لو أَن الناس قدموا له نفائس أَموالهم وقبلها منهم ؛ لكان ذلك قليلا في جانب علم سر من أَسرار كتاب الله، وفقه حكم من أحكام الله ، ومع ذلك فإِنه ينزه قلبه أَن يقبل من الناس ، أو يُقبل عليهم بقلبه لغير الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق